فهد الحازمي

لا تصادق سمينا

السبت - 16 أبريل 2016

Sat - 16 Apr 2016

يقول المثل العربي القديم إن الطيور على أشكالها تقع. اليوم نستطيع أن نقول كذلك إن المغردين في تويتر أو المنغمسين في فيس بوك على أشكالهم يتابعون ولأشكالهم يرتوتون ويردّون ويهشتقون. هذا التجانس في الشبكات الاجتماعية هو إحدى الخصائص الجوهرية التي تؤثر في تشكيل تصوراتنا وآرائنا بل وتشكل سلوكنا. بالكاد تجد أفكارا تؤمن بها أو سلوكيات تمارسها لا تتشارك فيها مع أي من أصدقائك على الإطلاق. هل تذهب إلى النادي الرياضي بانتظام؟ هل تدخن؟ هل أنت سمين؟ هل أنت متطلع لمشاهدة الحلقات المسربة من الموسم السادس من «لعبة العروش» في الأسبوع القادم؟ تصوراتنا وسلوكياتنا مهما كانت شخصياتنا مستقلة تبدو نتيجة لما يفعله أصدقاؤنا.

جيمس فولور ونيكولاس كريستاكس يعتبران أسماء بارزة اليوم في أبحاث الشبكات الاجتماعية. حيث نشرا سويا سلسلة من الأوراق التي سارت بها القوافل وطارت بها الركبان في كل أنحاء العالم. لخصا أبحاثهما في كتاب صدر عام 2009 ترجم إلى عشرات اللغات العالمية اسمه «Connected». في دراساتهما هذه اعتمدا على استطلاع لـ12,000 شخص على مدى 30 سنة لبحث أمراض القلب والمعروف بـ«دراسة فرامنجهام». أولى دراساتهما كانت عن البدانة حيث وجدا أن احتمالية أن يكون الشخص بدينا تزيد بنسبة 57% إذا كان أحد أصدقائه كذلك، وإذا كان أحد الزوجين بدينا فتزيد احتمالية أن يكون الطرف الآخر بدينا بنسبة 37%. وقد وجد الباحثان أن زيادة احتمالية بدانتك ليست بتأثير من صديقك فحسب، بل صديق صديقك وصديق صديق صديقك الذي لا تملك أدنى فكرة عنه أو تعرفه معرفة سطحية فقط.

ولكن الأمر لا يتوقف على البدانة، بل يتعدى إلى الحالات النفسية كذلك. فالسعادة والمشاعر الإيجابية كذلك تنتشر بذات الطريقة. فسعادة أصدقائك ستنعكس عليك وكذلك أصدقاء أصدقائك. وُجد أن احتمالية سعادتك تزيد بنسبة 25% إذا كان أحد أصدقائك سعيدا كذلك. وكما وجد ذلك الأمر مع تأثير السلسلة حيث تمتد لثلاثة أشخاص كذلك. وهذا يفسر وجود الإيجابيين في «شلل» تجمعهم كما ينطبق ذات الأمر على السلبيين.

الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء في الشبكات الاجتماعية إذن قوة. المعلومات التي يمكن أن نستقيها من الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء، كعاداتهم وأعمارهم وهواياتهم قد تعطينا مؤشرا قويا حول الشخص نفسه. الأصدقاء كذلك يحظون بتأثير كبير على الشخص، فإذا أردت أن تغير سلوك أحدهم فغير سلوك أصدقائه أولا، وإذا أردت أن تدفعه لشراء منتج ما فاستهدف أصدقاءه أولا. وهذا صحيح حتى في الحملات الصحية؛ فالحملات ضد التدخين وشرب الكحول التي تركز على العلاقات الاجتماعية والصداقات تحظى بنجاح أكبر من الحملات التوعوية العامة. الأصدقاء كذلك «حسّاسات» مهمة. فالدراسات التي تدرس انتشار إنفلونزا الخنازير مثلا وجدت أن الأشخاص المركزيين (الذين يحظون بصداقات واسعة) أقرب للعدوى من الهامشيين. والأمر ذاته ينطبق في تويتر، حيث وجدت الدراسات أن متابعة المغردين المركزيين تعطي مؤشرا قويا حول قضايا الرأي العام المستقبلية.

هذه الملاحظات التي ذكرتها للتو قادت إلى قيام شركات ناشئة عديدة تتمحور حول معرفة اللاعبين المؤثرين في الشبكات الواقعية أو الاجتماعية لاستهدافهم في حملات التوعية الخيرية أو التغيير السلوكي. تدرس هذه الشركات مثلا علاقة العاملين في مجال ما (كالتقنية مثلا) مع بعضهم بعضا لمعرفة المناطق المؤثرة، ومن ثم تستهدف الأشخاص المناسبين لاستخدام منتج منافس. وذات الأمر ينطبق أيضا على «تأثير القطيع» في الشبكات الاجتماعية (مثلا «الإعجاب» بما يعجب به الأصدقاء) لمعرفة كيف يمكن تحويله إلى قوة يمكن استخدامها في التوعية الصحية.