وحيد الغامدي

نظرية (خطوات الشيطان)

الخميس - 14 أبريل 2016

Thu - 14 Apr 2016

يقول المنطق الممانع للتحديث في شؤون الحياة العامة في المملكة: إن فكرة القبول بالخطوة الأولى – في بعض شؤون الحياة ومستجداتها – مدعاة للتدرج للوصول إلى الحالة التي تسمى (الانفلات) أو (تمييع الدين) أو (الخروج من الهوية والدين) إلى آخر تلك الأوصاف التي تشعرك بأن جذوة الدين الإسلامي ستنطفئ من النفوس فور اتخاذ أي خطوة تحديثية في أي من الشؤون التنموية المتعددة.

دعونا نحلل هذا المنطق من داخله، لنطرح أسئلة كهذه:

ما شأن الدين الإسلامي وحضوره في الغرب؟ هل هو مهدد أم في ازدياد مطرد؟ وما شأن التدين في الدول العلمانية وهل تأثر منسوبه في قلوب أتباعه هناك؟

بمقارنة واقعية بدول أخرى ليس للمظاهر الدينية فيها ذلك الحضور الطاغي على حياة الناس سنجد أن التدين لم يجتث من قلوب الناس، بل ربما كان الناس هناك أكثر تدينا بفطرية التدين المعزز بالدافعية لا بالإجبار الاجتماعي أو السياسي، إذن.. أليس من الأولى بالخطاب الوعظي والديني استهداف تلك الدافعية في خطابه وتعزيزها؟

لا أفهم أي شكل للممانعة التحديثية في أبسط الأمور إلا أنه شكل من أشكال الرضا بالانغلاق والرغبة في تعميم الإرادة الضيقة على شريحة واسعة جدا من الناس، وهذا ليس من أدب الاختلاف أو احترام ذلك الاختلاف وهذا يؤثر على التعايش السلمي والوفاق بين أبناء الوطن الواحد على الأمد البعيد.

إن ما يعتقد أنها خطوات أولى للشيطان ليست مقرونة بمعايير واضحة تفيدنا في التفريق بين ما هو من الشيطان وما هو من المباحات (المسكوت عنها) والتي يمكن أن تؤدي إلى خطوات شيطانية أكبر، فالخطاب الوعظي المحلي لا يفصل كثيرا في تعاطيه مع كثير من المستجدات ولا يبني في تصورات الناس أدوات ثابتة لكشف ما يمكن اعتباره من خطوات الشيطان أو من المباحات. والتجارب الاجتماعية طوال تاريخنا تثبت دائما خطأ وانعدام واقعية تلك المخاوف التي كان يعتقد في أوقات كثيرة أنها خطوات شيطانية لم يلبث أن اقتحمها التيار المحافظ نفسه بكل ثقة، والأمثلة كثيرة جدا.

إن استخدام قاعدة فقهية مثل (سد الذرائع) دون أي اعتبارات استراتيجية واقعية في عالم اليوم من شأنه تزييف الوعي العام وتشويه المدركات تجاه الحياة والعالم من حولنا، والمفترض من الذهنية الشرعية دراسة تلك المستجدات وبحثها وتقديم وجهة نظر أكثر تفصيلية من الاستخدام التقليدي للرفض المعتاد كوسيلة وحيدة لإبداء وجهة النظر، فالتحجج بخطوات الشيطان في مواجهة أي تحديث أو إصلاح اجتماعي أو اقتصادي هو ادعاء كسول تجاه تلك التفاصيل المهمة والمقنعة للقبول بفكرة التحفظ والممانعة استنادا على حقائق لا مخاوف وظنيات مللنا من تهويلها في كل مرة.

لا يمكن أن يكون هناك سقف منطقي لمبدأ سد الذرائع حتى يطال كل ما هو ساذج وبدهي ومباح وضرورة، لأن كل شيء يمكن أن يؤدي وظيفتين إحداهما سلبية والأخرى إيجابية، فلن يكون هناك سقف معقول لسد الذريعة مطلقا، إلا إذا قابله مبدأ فقهي آخر غير معترف به في المنظومة الدينية المحلية وهو (فتح الذرائع) ودون السير بتوازن فقهي بين المبدأين ستكون العجلة الفقهية منحرفة إلى أبعد مدى حتى تصل إلى تلك الدرجة اللا منطقية كما شاهدنا ونشاهد يوميا عبر الفتاوى والاجتهادات التي تبدو غريبة وتضع نفسها موضع الحرج دائما.

الأمر الأهم من كل هذا أن التزييف المستمر للوعي بخلق نظرية مؤامراتية ضخمة بحجم مجتمع، ومنطلقة من التضخيم المبالغ فيه حول أي خطوات تحديثية بسيطة عبر بث التحذيرات المتراكمة، كل ذلك قد يفجر في لحظة ما تلك الجدليات إلى قنابل فعلية على الأرض تستخدم البارود والنار وليس فقط الكلمة الصاخبة، وسيتحول ضجيج الصوت الاستنكاري إلى ضجيج أكثر رعبا حين تتحول تلك القناعات إلى برنامج يستخدم العنف، كما مر بذاكرتنا ولا يزال، والذي لم يكن سوى قيما تم بثها في غفلة من الزمن وبسكوت الجميع، ولكن كانت مخرجاتها دماء ونيرانا وتفجيرات وأشلاء.