مرزوق تنباك

مواسم التخرج

الثلاثاء - 12 أبريل 2016

Tue - 12 Apr 2016

ستحتفل هذه الأيام 30 جامعة، وأكثر من 30 كلية متخصصة، بتخرج آلاف من الشباب البنين والبنات المقبلين على الحياة، والباحثين عن العمل المتطلعين لتحقيق مستقبلهم وآمالهم بممارسة حقهم في وجود العمل الذي يليق بهم ويسد حاجتهم، بعد مغادرتهم مقاعد الدراسة إلى سوق العمل مع آلاف أخرى ستأتي بهم برامج الابتعاث، وسنزف لهم التهاني بالتخرج وللوطن الذي يتطلع إلى جهود أبنائه وبناته في تحقيق نهضته وخدمته، ومع الفرحة بهم والدعوة لهم بالتوفيق إلا أن المسؤولية أمامهم ستكون كبيرة والجهد لاستيعابهم وتهيئة فرص العمل لهم ستكون أكثر صعوبة مما بذلوه طوال سنواتهم الدراسية من مثابرة في دراستهم وتحصيلهم، وسيواجه الكثير منهم صعوبة التوظيف والتوطين في مكان يناسب لتخصصهم، بل سيجد الكثير منهم نفسه يبحث عن عمل في أي مجال يستطيع القيام به.

وليس فقط من يتخرج في الجامعات والكليات هم الطالبون للعمل والباحثون عنه، لكن معهم أعداد أخرى ستضطرهم الحياة وظروف المعيشة لترك الدراسة بعد الثانوية العامة إن لم يكن قبل ذلك، ومع هؤلاء جميعا جيل سبقهم بالتخرج وبقي يبحث عن العمل منذ تخرجه، ولم يجد عملا حتى اليوم.

هذه مشكلة واجهناها في السنوات الماضية في أنصاف الحلول، وسنواجهها لا محالة اليوم وبشكل أكثر تعقيدا وأكثر شحا مما سبق وسيكون التغلب عليها أصعب مما مضى، ومع مرور الأيام وتراكم من تقذف بهم مؤسسات التعليم في كل مراحله ومستوياته وتخصصاته إلى ساحة البحث عن عمل ستصبح القضية غاية في الأهمية من جوانب عدة وغاية في التعقيد كذلك.

كل العالم يواجه مشكلة العمل وتخيفه البطالة ويبحث في الحلول الممكنة ولا أظن أن هناك دولة في الوقت الحاضر لا تضع في مقدمة أولوياتها تأمين العمل المناسب لأبنائها والتخطيط لمستقبلهم الوظيفي والحرص على أن يجد الجميع ما يوفر لهم العيش الكريم في وطنهم.

والعمل والفرص التي تتاح لطالبيه ليست منة من أحد ولا خيارا بل هي ضرورة لا بد من الوقوف عندها وعدم تجاوزها حتى يجد لها المسؤولون حلا مهما كانت الظروف والأحوال التي تعترض الطريق أو تؤجل الحل. لا شك أنه لم يعد باستطاعة الجهاز الإداري التقليدي أو القطاع العام أن يوجد لهذا الجيش من الطالبين للعمل مكانا واسعا في رحابه كما كان ذلك من قبل، ولو أراد ما استطاع إلى ذلك سبيلا وحتى القطاع الخاص الذي يعول عليه كثيرا لم يعد قادرا على مزيد من الاستيعاب وهو الذي لم يكن مطمعا للطالبين في ماضيه المزدهر فكيف في حاضره المنكسر.

ما الحل؟

دعونا نفكر بهدوء شديد ونصرف النظر عن القطاع الخاص والقطاع العام، ونعترف أننا البلد الوحيد في العالم الذي يعمل فيه أناس أكثر من نصف مواطنيه، يأتون من مشارق الأرض ومغاربها ويجدون فيه العمل والاستقرار، ويعيشون لا يشكون بطالة ولا يشعرون أن أرزاقهم في خطر، ثم ننظر بهدوء أيضا وبرودة أعصاب مرة أخرى ونفكر كيف وجد القادمون الغرباء عملا ولم نجده نحن أهل الوطن الذي نعرف كل شيء فيه عملا لأبنائنا، دعونا نفكر مرة ثالثة، وبهدوء شديد أيضا، ونقول: السبب أن القوانين أو إذا شئتم الأنظمة واللوائح التي نضعها تساهم بجزء كبير من الأزمة التي نواجهها، ذلك أننا إذا واجهنا حالة فردية قد لا تكون مهمة، وضعنا نظاما يعم الجميع ويعرقل انسياب العمل ويلغي المرونة التي يحتاجها العمل الحر المنتج، ولم ننظر للفوارق الفردية التي تحتاجها المبادرات الذاتية من الناس.

لكي يعمل المواطن وينتج ويجد لنفسه عملا وقد يوظف غيره معه في العمل، يجب أن تترك مساحة كبيرة لحرية العمل في كل المجالات، وأن لا يمنع أحد من عمل مباح مهما كان نوعه، فالمرأة مثلا هي مكون لأكثر من نصف المجتمع ويجب أن تعمل ولا تضايق في عملها ولا توضع الشروط التعجيزية التي تحول دون تمكينها من ممارسة النشاط الذي تحسنه، حيث تمنعها أحيانا أنظمة العمل وأحيانا لا يرحب بها أربابه، ولا شك أن تضييق مجال عمل نصف المجتمع هو هدر لطاقات منتجة مثلها مثل الرجل بل قد تكون أكثر إنتاجا فيما يناسبها من مجال الأعمال، وتفتح المجالات أمام الشباب وتذلل العقبات التي تعترضهم ولا سيما من يحاول منهم أن يبدأ عملا خاصا به مهما كان صغيرا، وكما يسمح للناس في تنشيط الأعمال الحرة الصغيرة منها والكبيرة حتى يكون التفاعل الطبيعي والحراك الاجتماعي المنتج، وينظم العمل في مرافق السياحة، فالذين يستثمرون في هذا المرفق حري بالدولة مساعدتهم وتشجيعهم وتذليل العقبات أمامهم فالسياحة عندنا عمل بكر غير مستغل ولم نلتفت إليه حتى الآن وتجاهل هذا المصدر يكلف كثيرا ويعطل مصدرا مهما من مصادر الدخل التقليدي خصوصا ما يتعلق بمنطقة الحجاز وبالسياحة الدينية، ومع الأسف هناك من يرفع عصا غليظة في وجه من يريد أن يستغل مناطق الجذب السياحي التي تلقى إقبالا شديدا من الزوار والحجاج والمعتمرين.

[email protected]