إعلام «النفسيّة»!
الثلاثاء - 12 أبريل 2016
Tue - 12 Apr 2016
سأفترض أن هنالك قارئا يبدأ صباحه – لا سمح الله – بقراءة الصحف، وأتخيله طوال هذه السنوات يقرأ (تدوير)
أخبارنا ومشاكلنا ولم يشعر بالملل، ومع هذا لم يرشحه أحد لنيل جائزة نوبل لصبر أيوب، فطوال هذه السنوات والصحف تُعاقِب صباحات قرائها بنفس الأخبار عن نفس المشاكل، فالحداثة السعودية تقليدية حتى بصنع المشاكل، ولو حافظنا على البيئة كما نحافظ على مشاكلنا لأصبحنا كائنات جميلة وأنيقة كحال الأسوياء من خلق الله، ولهذا أعترف – بصفتي جزء من الصحافة شاءت أم أبت – أنني من أسباب (النفسية) التي تفشّت في المجتمع، فالحديث عن المشاكل تقليد في الكتابة الصحفية ورثناه من أساتذتنا الذين كنّا نقرأهم ونحن على مقاعد الدراسة الأولى، وما زلنا نقرأهم يتكلمون عن نفس المشاكل التي كانت تهم آباءنا، ونعتقد الآن أنها تهمنا، ولم نكتب بعد مقالا يستحق أن يكون مقالا للصباح، فنكتب بعد أن يهرب القارئ للنوم ليلا كي نذكره بمشاكله في الصباح، ولهذا يتسلل السؤال ثم يتعملق: ألا يوجد لدينا مشاكل تستحق الكتابة؟
هذا السؤال وإن بدا بريئا إلا أن له أهواء لا أثق (بنزاهتها)، ولو كانت صيغة السؤال: هل لدينا مشاكل (جديدة) تستحق النقاش والجدل؟ لكانت الإجابة: مشكلتنا الحقيقية هي عدم وجود حلول للمشاكل القديمة فقط، واذهبوا إن شئتم لأي صحيفة سعودية وادخلوا أرشيفها آمنين لتعرفوا أن مشاكلنا التي نتحدث عنها الآن كانت تسوّد بياض صفحات الجرائد في السنة التي ولد فيها محدثكم قبل أن يصبح من أعضاء تسويد صفحات الجرائد!
إذن ماذا حدث للقارئ الذي يتعاطى هذا السواد طوال هذه العقود؟
لا شيء سوى جيل مُحبط وحزين ومتوجس وناقد سلبي بامتياز، هذه مخرجات الصحافة التي كانت وما زالت تكتب عن الأخطاء والمشاكل مخاطبة القارئ ومتوددة له، ولم تكن تخاطب المسؤول الذي بيده إصلاح الخطأ وتقويمه، فكانت في أكثر حالاتها جرأة تُسمع القارئ ما يود أن يسمعه، أما المسؤول فكان يكتفي بين فترة وأخرى بمهاتفة مسؤول الجريدة بمكالمة باسمة ودودة تبدأ بالجملة اللطيفة (وش فيكم شابين علينا)؟ تقابلها ضحكة لا تخلو من خبث ومكر صحفي قبل أن ينقل الحديث لمواضيع تهم الجميع عدا القارئ!
كان الإعلام في (جيل الطيبين) صديق حقيقي للقارئ إذ كان يقدم له وجبات معرفية ويثري ذائقته، كان الإعلام يُقدم نفسه كشريك للجميع قبل أن ينكص ويصبح مجرد (خادم) للجميع يقدم لهم ما يعتقد أنه يعجبهم، فكما كانت الصحف تقدم مواد ثقافية ومقالات تتضح فيها روح الباحث الجاد، كان التلفزيون بدوره (يمرر) الفن والشعر بأرقى وأزهى صوره، فمثلا كانت الخلفيات الموسيقية لنشرات الأخبار وبعض البرامج التلفزيونية عبارة عن سيمفونيات لكبار الموسيقيين بالعالم، وكان المذيع صاحب الصوت الرخيم ماجد الشبل يُلقي قصائد نزار قباني بصوته الشجي، صحيح أنه كان يقول كلمات من التراث! – لظروف معروفة - لكنه كان يقدم للمتلقي وجبة دسمة، الآن أصبحت وسائل الإعلام تردد ما يقوله المتلقي (حذو القذة بالقذة)، وللحديث (سـ)ـجون!
[email protected]
أخبارنا ومشاكلنا ولم يشعر بالملل، ومع هذا لم يرشحه أحد لنيل جائزة نوبل لصبر أيوب، فطوال هذه السنوات والصحف تُعاقِب صباحات قرائها بنفس الأخبار عن نفس المشاكل، فالحداثة السعودية تقليدية حتى بصنع المشاكل، ولو حافظنا على البيئة كما نحافظ على مشاكلنا لأصبحنا كائنات جميلة وأنيقة كحال الأسوياء من خلق الله، ولهذا أعترف – بصفتي جزء من الصحافة شاءت أم أبت – أنني من أسباب (النفسية) التي تفشّت في المجتمع، فالحديث عن المشاكل تقليد في الكتابة الصحفية ورثناه من أساتذتنا الذين كنّا نقرأهم ونحن على مقاعد الدراسة الأولى، وما زلنا نقرأهم يتكلمون عن نفس المشاكل التي كانت تهم آباءنا، ونعتقد الآن أنها تهمنا، ولم نكتب بعد مقالا يستحق أن يكون مقالا للصباح، فنكتب بعد أن يهرب القارئ للنوم ليلا كي نذكره بمشاكله في الصباح، ولهذا يتسلل السؤال ثم يتعملق: ألا يوجد لدينا مشاكل تستحق الكتابة؟
هذا السؤال وإن بدا بريئا إلا أن له أهواء لا أثق (بنزاهتها)، ولو كانت صيغة السؤال: هل لدينا مشاكل (جديدة) تستحق النقاش والجدل؟ لكانت الإجابة: مشكلتنا الحقيقية هي عدم وجود حلول للمشاكل القديمة فقط، واذهبوا إن شئتم لأي صحيفة سعودية وادخلوا أرشيفها آمنين لتعرفوا أن مشاكلنا التي نتحدث عنها الآن كانت تسوّد بياض صفحات الجرائد في السنة التي ولد فيها محدثكم قبل أن يصبح من أعضاء تسويد صفحات الجرائد!
إذن ماذا حدث للقارئ الذي يتعاطى هذا السواد طوال هذه العقود؟
لا شيء سوى جيل مُحبط وحزين ومتوجس وناقد سلبي بامتياز، هذه مخرجات الصحافة التي كانت وما زالت تكتب عن الأخطاء والمشاكل مخاطبة القارئ ومتوددة له، ولم تكن تخاطب المسؤول الذي بيده إصلاح الخطأ وتقويمه، فكانت في أكثر حالاتها جرأة تُسمع القارئ ما يود أن يسمعه، أما المسؤول فكان يكتفي بين فترة وأخرى بمهاتفة مسؤول الجريدة بمكالمة باسمة ودودة تبدأ بالجملة اللطيفة (وش فيكم شابين علينا)؟ تقابلها ضحكة لا تخلو من خبث ومكر صحفي قبل أن ينقل الحديث لمواضيع تهم الجميع عدا القارئ!
كان الإعلام في (جيل الطيبين) صديق حقيقي للقارئ إذ كان يقدم له وجبات معرفية ويثري ذائقته، كان الإعلام يُقدم نفسه كشريك للجميع قبل أن ينكص ويصبح مجرد (خادم) للجميع يقدم لهم ما يعتقد أنه يعجبهم، فكما كانت الصحف تقدم مواد ثقافية ومقالات تتضح فيها روح الباحث الجاد، كان التلفزيون بدوره (يمرر) الفن والشعر بأرقى وأزهى صوره، فمثلا كانت الخلفيات الموسيقية لنشرات الأخبار وبعض البرامج التلفزيونية عبارة عن سيمفونيات لكبار الموسيقيين بالعالم، وكان المذيع صاحب الصوت الرخيم ماجد الشبل يُلقي قصائد نزار قباني بصوته الشجي، صحيح أنه كان يقول كلمات من التراث! – لظروف معروفة - لكنه كان يقدم للمتلقي وجبة دسمة، الآن أصبحت وسائل الإعلام تردد ما يقوله المتلقي (حذو القذة بالقذة)، وللحديث (سـ)ـجون!
[email protected]