ناشطة إيرانية تختار المنفى على بلادها بعد عقدين من المقاومة

الجمعة - 08 أبريل 2016

Fri - 08 Apr 2016

في يناير 2009، كانت الإيرانية شيرين عبادي الحاصلة على جائزة نوبل للسلام تجلس في مكتبها في طهران عندما سمعت هتافات غاضبة لرجال يقفون في الخارج وهم يرددون »الموت للخائنة عبادي«، وأغلقت أبواب المبنى فورا وهربت إلى شقتها في الطابق الأعلى، حيث كان زوجها جواد توسليان يقف بجانب النافذة ويراقب حشدا من الناس يحملون العصي واللافتات في الشارع.

وسبب هذه الحشود هو النقد الذي توجهه عبادي على مدى أكثر من عقدين لقوانين إيران الظالمة وتدافع عن معارضين سياسيين مثيرين للجدل سجنتهم السلطات الإيرانية بسبب دفاعهم عن المصلحة العامة.

وتتحدث عبادي في كتابها »إلى أن نصبح أحرارا« الصادر عن راندوم هاوس عن سلسلة الهجمات المسيئة التي تعرضت لها بعد فوزها بجائزة نوبل للسلام في 2003، ومذكراتها تبين خطورة وضعها وإصرارها على الثبات في وجه كل الصعوبات والتحديات التي لا تزال تتعرض لها.

لا إنسانية

وتقول إن ثورة الخميني في إيران في 1979 حرمتها من منصبها في القضاء وأجبرتها على الجلوس في البيت لتربية ابنتيها، وبعد ذلك بنحو عشر سنوات فتحت شركة للخدمات القانونية وأصبحت تنتقد علنا قوانين البلد التمييزية، وعندما تعرضت طفلة عمرها 11 سنة اسمها ليلى للاغتصاب والقتل من قبل ثلاثة أشخاص، قررت المحكمة أن على أهل الطفلة أن يدفعوا مبلغا كبيرا لكي يتم إعدام الرجال الثلاثة، وإلا فإن المحكمة ستطلق سراحهم لأن حياتهم كرجال كانت أكثر قيمة من حياة ليلى. واستغلت عبادي القضية في حملاتها لتسلط الضوء على قانون الجنايات السيئ في إيران.

مضايقات مستمرة

حصول عبادي على جائزة نوبل في 2003 رفعها إلى مستوى جديد، لكنها لم تمنع السلطات الإيرانية من ملاحقتها، بل تصاعدت حدة المضايقات التي كانت تتعرض لها، وبشكل خاص بعد انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد في 2005.

وكان جواسيس الحكومة يلاحقونها ويضايقون زملاءها، حتى إنهم علقوا تهديدات بالقتل على باب بيتها.

ومن أجل بث الرعب في قلبها، اقتحم ضابطان من الاستخبارات مكتبها في أحد الأيام منتحلين شخصيات موظفي ضرائب وطالبا بتفتيش مكتبها.

وعندما اتصلت بالشرطة المحلية لطلب المساعدة، لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئا وهم يرون العميلين يحملان ملفات من مكتبها بحجة ضرورة مراجعتها ويمضيان.

اعتقال ابنتها

بعد ذلك استهدفت السلطات ابنتها التي كانت تدرس الماجستير في كندا عندما جاءت لزيارة إيران، واعتقلتها لفترة قصيرة واحتجزوا جواز سفرها دون أن يقولوا لها متى سيعيدونه إليها.

ومع ذلك تظاهرت عبادي وابنتها بأن الأمر غير مهم حتى لا تشعر السلطات التي كانت تراقب اتصالاتهما وبريدهما الالكتروني بأهمية الحكاية، لأنهم كما تقول »لو وصلوا إلى استنتاج بأن الابنة نقطة ضعفي، لا يعرف أحد ما يمكن أن يفعلوه معها بعد ذلك، أو معي«.

ويعد رفضها التفاوض مع السلطات على جواز سفر ابنتها في رأيها أنه جعلهم يعيدونه بعد فترة وجيزة.

المغادرة لأوروبا

عندما اندلعت انتفاضة كبيرة في طهران في 2009 احتجاجا على تزوير الانتخابات الرئاسية، كانت عبادي في أوروبا.

وحينها واجهت الحكومة المتظاهرين بعنف وأطلقوا النار على عشرات من الأشخاص، كما اعتقلت آلاف الناس وعذبتهم في المعتقلات.

وانتقدت عبادي هذه الممارسات خلال وجودها خارج بلدها وزادت وتيرة مهاجمتها للنظام.

وتقول »إنني قررت البقاء خارج إيران ليس لأنني خائفة من الذهاب إلى السجن، فقد كنت أعرف أن سجن شخص فائز بجائزة نوبل للسلام لفترة طويلة مكلف جدا على الدولة وأنهم سيطلقون سراحي بعد فترة وجيزة، ولكن خفت من افتعال أجهزة الاستخبارات حادث اعتداء علي وقتلي خلال ذلك«.

السجن والابتزاز

بعد ذلك واجهت عبادي محاولات الحكومة التي كانت تهدف إسكاتها وهي في المنفى.

في ذلك الصيف، اختفى زوجها لأسابيع عدة في طهران، وعندما ظهر مرة أخرى لفقت السلطات له تهمة الزنا بالتعاون مع سيدة كان يعرفها سابقا، ثم أطلقت سراح المرأة وسجنته وجلدته قبل أن تعرضه على محكمة أصدرت عليه عقوبة الإعدام رجما بالحجارة.

بعد ذلك اتصل الزوج بعبادي وقال لها إن ضابط الاستخبارات المسؤول عنه عرض عليه إطلاق سراحه مقابل التنازل عن جميع أملاك أسرته.

في نهاية المطاف، اتفقت السلطات مع الزوج المغلوب على أمره على تزوير عقد زواج متعة مع السيدة بتاريخ قديم لتخليصه من تهمة الزنا مقابل أن يسجل مقابلة تلفزيونية يتهم فيها زوجته بالخيانة والعمالة لأمريكا.

وفي النهاية اتفقت مع زوجها على الطلاق أملا في أن يخلصه ذلك من مضايقات السلطات التي استمرت على مدى أكثر من سبع سنوات.

مضايقات السلطات لم تتوقف على زوجها وابنتها فقط، بل وصلت إلى شقيقتها نوشين عبادي التي اعتقلتها السلطات الإيرانية أيضا بتهمة ممارسة نشاطات سياسية ممنوعة بهدف الضغط على شيرين وإجبارها على التوقف عن نشاطاتها المعادية للنظام الإيراني.

لكن شيرين تقول في هذا الكتاب إن السلطات ربما تمكنت أن تأخذ منها أشياء كثيرة، لكنها لم تستطع أن تأخذ حريتها وإصرارها على متابعة النضال حتى تتحقق الحرية التي تحلم بها لبلدها.

الدكتورة شيرين عبادي من أوائل السيدات اللاتي تولين مناصب في القضاء الإيراني، لكن الثورة الإسلامية في إيران 1979 حرمتها من عملها القضائي.

وعادت إلى ممارسة مهنة القانون في تسعينات القرن العشرين كمحامية للدفاع عن حقوق المرأة والطفل وأسست مركزا لحقوق الإنسان في طهران.

وحصلت على جائزة نوبل في 2003 واستمرت في نشاطها السياسي داخل إيران حتى 2009، حيث اضطرت لمغادرة بلادها إلى المنفى بسبب تعرضها لمضايقات مستمرة من السلطات.

الأكثر قراءة