حسين بافقيه

جدة والحداثة.. يوسف نور عوض.. البنيوي المجهول

الجمعة - 08 أبريل 2016

Fri - 08 Apr 2016

في عام 1403هـ (1983)، في ذلك الزمن الهادئ الذي لم يعرف ضجيج الحداثة وصخبها، كما سيعرفه عام 1405 (1985). في ذلك العام أصدرتْ دار نشر تُدْعى «مكتبة العِلْم»، كتاب «الطيب صالح في منظور النقد البنيوي» للناقد والمترجم السوداني الدكتور يوسف نور عوض، الأستاذ بقسم اللغة العربية بجامعة الملك عبدالعزيز بجدَّة، فكان، بذلك، صاحب أول كتاب يصدر في المملكة عن النقد البنيوي، واتَّفق أن يصدر في مدينة جدة، هذه المدينة التي آزرت حركة التحديث والاستنارة!

وأقرب الظن أن كثيرا من الدارسين، بله القراء، لم يعرفوا هذا الكتاب ولم يسمعوا به، ولا يعتريني شك في أنه، حين صدر، لم يستجلب نظرا، ولم يثر خصومة، ولم يحفل له الدارسون. وليس في صحافتنا، آنئذ، أن الرجل حين أصدر كتابا في النقد «البنيوي» ثار به المحافظون، وليس فيها، كذلك، أنهم اتهموه بسيل من التهم، أقلُّها «التغريب». الحق أنني لم أقرأ شيئًا من ذلك، وعسى أن يعود شيء منه إلى أن الكتاب دراسة علمية خالصة، وأن موضوعه لا يهم القارئ السعودي كثيرًا.

لكن أمرًا ما في الكتاب استوقفني؛ ففي خاتمة مقدمته يشكر يوسف نور عوض «الإخوة الأساتذة الذين كانت آراؤهم المعارضة باعثا لي على المزيد من التفكير والبحث»، وأقرب الظن أن «الإخوة الأساتذة» هم زملاؤه في قسم اللغة العربية بجامعة الملك عبدالعزيز، بجدة، وأرجِّح أنه يعني زميليه في القسم الدكتور سعد مصلوح والدكتور عبدالله الغذامي، فلعلَّ لهما على منهجه في المعالجة والتطبيق رأيًا يباين المذهب الذي صدر عنه!

ويخيَّل إليَّ أن شيئا من الخصومة كان قد استعر بين ثلاثة الزملاء، لنا أن ندعوه «تنافسا»، وعسى أن يكون «غيرة»، وربما كان «موجدة» وَجَدَها الدكتور يوسف على زميليه، فالكتاب الذي انتصر فيه صاحبه للبنيوية، يُمَهَّد له بفصل، فيه كلام طويل عن «الأسلوبية»، وكأنما كانت غايته الحطّ من هذا المنهج، وأنه ذريعة يتخذها اللغويون – من عشيرة زميله في القسم سعد مصلوح - للولوج إلى نقد الأدب، واستجلب نظري أنه ينقل عن نَقَدَة غربيين، ثم يلوذ بكتاب عبدالسلام المسدي «الأسلوبية والأسلوب»، ولا نقرأ فيه أي إشارة إلى كتاب زميله في القسم سعد مصلوح! فهل كان إغفال صاحب «الأسلوب، دراسة إحصائية لغوية» علامة تلك «الخصومة» أو «الغيرة»، أو الموجدة»؟

علم ذلك عند ربي وعند الراسخين في العلم!

ثم ما الذي جعل الخصومة تستعر نارها حين أصدر الدكتور عبدالله الغذامي كتابه «الخطيئة والتكفير»، عام 1405 (1985)، فيوسعه الدكتور يوسف نور عوض نقدا ونقضا وذمّا وتأليبا وتعنيفا، وأقلُّ ما يقال في الزميلين: إنهما صدرا عن معين واحد، هو النقد الألسني، مهما اختلفت المشارب، ومهما تعددت الفهوم.

الذي أراه، ولا أجزم به، أنه ليس إلا «الخصومة»، و»التنافس»، و»الغيرة»، و»الموجدة»، وذلك أن كتاب الغذامي الذي عَبَرَ من «البنيوية» إلى «التشريحية»، شرّق في مراجعه وغرّب، وأثبت نقولا من عبدالسلام المسدي، ورولان بارط، وجاك ديريدا، وليتز، وسعد مصلوح – زميل الأمس في القسم – لكنه أغفل كتابا يعرفه حق المعرفة، وما ذلك الكتاب سوى «الطيب صالح في منظور النقد البنيوي» لزميله يوسف نور عوض الذي كان يمضي معه ومع سعد مصلوح الساعات في نقاش طويل عن البنيوية والأسلوبية ومناهج النقد الألسني، ثم ها هو ذا يسكت عنه، وإذا بالصحافة ونادي جدة الأدبي لا همَّ لهما إلا أن يحتفلا بـ»الخطيئة والتكفير»، وسكتا وبالغا في السكوت عن كتاب خطّ صاحبه على غلافه عبارة «النقد البنيوي» بأجلى حرف وأوضحه! وربما راعه أن أغفل النقاد والأدباء والمثقفون والقراء كتابه ذلك الذي صدر في مدينة جدة، قبل كتاب الغذامي بعامين، فَوُئِدَ ساعة ولِد، ولم يسأل عنه أحد، واستبشر الجمْع بـ»خطيئة الغذامي وتكفيره»، فما كان منه إلا أن وجَد عليه موجدة لم يستطع كتمانها، وجعل يثير الغبار في وجه زميل الأمس، ويهيج به المحافظين والمتدينين، فكانت تلك المعركة الشرسة التي أشعل فتيلها يوسف نور عوض ذلك «البنيوي المجهول»!