القضاء حين يرسخ صورتنا عالميا
الخميس - 07 أبريل 2016
Thu - 07 Apr 2016
مرة أخرى تطل علينا قضية جديدة من مهازل قضايا (تكافؤ النسب)، ولا يمنع حينها من تدمير أسرة وتشتيت شملها وضياع ذلك الطفل الذي ينتظره الزوجان اللذان كان ذنبهما الوحيد أنهما يواجهان منظومة ثقافية باتت محط سخرية العالم كله واتهاماته التي يكيلها علينا ليلا ونهارا.
ربما يتساءل البعض: لماذا يقف القضاء موقف المهادن لتلك العنصرية؟ وكيف يمكن للقاضي أن يحكم بتفريق زوجين لعدم تكافؤ النسب؟ وقد يستدل آخرون أيضا بالحديث «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى»، أو الآية «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، إلا أن من يستدل بتلك النصوص، ومن يتساءل تلك الأسئلة، قد لا يدرك عمق المشكلة من جذورها. كيف؟
دعونا نغص في التراث الذي يشرعن لهكذا قضايا غريبة من هذا النوع، ففي كتاب (شرح منتهى الإرادات) للفقيه منصور البهوتي يقول «ولأن الكفاءة حق لا يخرج عن المرأة وأوليائها، فإذا رضوا به صح، لأنه إسقاط لحقهم ولا حجر فيه عليهم، فيصح النكاح مع فقد الكفاءة، ولمن لم يرض بغير كفؤ بعد عقد من امرأة وعصبته حتى من يحدث من عصبتها الفسخ؛ لعدم لزوم النكاح، لفقد الكفاءة فيجوز أن يفسخ أخ مع رضا أب، لأن العار في تزويج غير الكفؤ عليهم أجمعين» اهـ . منتهى الإرادات. منصور البهوتي ج3 ص26 .
نلاحظ في المقتبس السابق، وكما ذكر الشارح الذي كان يلقب بفقيه الحنابلة في وقته، وفي أكثر من موضع في ذلك الكتاب (وعلى المذهب، والراجح في المذهب)، نلاحظه هنا يقرر المسائل المعتبرة جدا في وعي المذهب، والتي يمكنها القفز على غايات النصوص، تماشيا مع وجدان اجتماعي متجذر، وهي ما برر لها في الصفحة 27 «لأن العرب يعتمدون الكفاءة في النسب ويأنفون من نكاح الموالي..»، ثم يضيف مفصلا بأمثلة «فلا تزوج بنت بزاز، وهو تاجر في البز وهو القماش، بحجام، ولا تزوج بنت ثاني صاحب عقار بحائك..»، ثم يقول: وفي حديث «العرب بعضهم لبعض أكفاء إلا حائكا أو حجاما، قيل لأحمد: وكيف تأخذ به وأنت تضعفه؟ قال: العمل عليه. أي أنه يوافق العرف..» اهـ، المصدر السابق ص27.
لهذا فلا أتصور أن يصح أن يواجه أحد هذه الذهنية الفقهية بنص «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، وذلك لأن هناك (تأصيلا) لحاجة اجتماعية وجينية تفرض إلحاحها على الذهن الفقهي نفسه الذي يعلن تمسكه بالنصوص نفسها، ولكنه مضطر للمهادنة مع السياق الجمعي الذي نشأ الكثير من الآراء والاجتهادات في ظله في زمن سابق.
اليوم.. كيف يمكننا إيصال (المنتج الديني) لجيل جديد قرأ الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، واطلع ويطلع يوميا على النموذج الإنساني والحضاري والحقوقي الذي يخيم على كثير من دول العالم (الكافرة)؟ كيف يمكن إقناع أبنائنا، فضلا عن العالم من حولنا، بأن دينهم هو دين (عالمي) وصالح لكل زمان ومكان؟ بماذا نجيب على هذا (التخريب) غير المفهوم لاستقرار أسرة رضي فيها الطرفان ببعضهما؟ وهل تلزمنا في هذا العصر آراء واجتهادات مضت عليها قرون من الزمن؟
طالعتنا الأخبار في الأسبوع الماضي نفسه أيضا بخبر زواج أصغر عريس بتبوك، (العريس ذو خمسة عشر عاما)، وقد تزامن الخبران في التوقيت نفسه كي تطرح الأقدار أمامنا سؤالا موجعا كهذا: كيف يفكر هذا الذي يوافق على تطليق زوجين بالغين وتزويج طفلين قاصرين؟!
[email protected]
ربما يتساءل البعض: لماذا يقف القضاء موقف المهادن لتلك العنصرية؟ وكيف يمكن للقاضي أن يحكم بتفريق زوجين لعدم تكافؤ النسب؟ وقد يستدل آخرون أيضا بالحديث «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى»، أو الآية «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، إلا أن من يستدل بتلك النصوص، ومن يتساءل تلك الأسئلة، قد لا يدرك عمق المشكلة من جذورها. كيف؟
دعونا نغص في التراث الذي يشرعن لهكذا قضايا غريبة من هذا النوع، ففي كتاب (شرح منتهى الإرادات) للفقيه منصور البهوتي يقول «ولأن الكفاءة حق لا يخرج عن المرأة وأوليائها، فإذا رضوا به صح، لأنه إسقاط لحقهم ولا حجر فيه عليهم، فيصح النكاح مع فقد الكفاءة، ولمن لم يرض بغير كفؤ بعد عقد من امرأة وعصبته حتى من يحدث من عصبتها الفسخ؛ لعدم لزوم النكاح، لفقد الكفاءة فيجوز أن يفسخ أخ مع رضا أب، لأن العار في تزويج غير الكفؤ عليهم أجمعين» اهـ . منتهى الإرادات. منصور البهوتي ج3 ص26 .
نلاحظ في المقتبس السابق، وكما ذكر الشارح الذي كان يلقب بفقيه الحنابلة في وقته، وفي أكثر من موضع في ذلك الكتاب (وعلى المذهب، والراجح في المذهب)، نلاحظه هنا يقرر المسائل المعتبرة جدا في وعي المذهب، والتي يمكنها القفز على غايات النصوص، تماشيا مع وجدان اجتماعي متجذر، وهي ما برر لها في الصفحة 27 «لأن العرب يعتمدون الكفاءة في النسب ويأنفون من نكاح الموالي..»، ثم يضيف مفصلا بأمثلة «فلا تزوج بنت بزاز، وهو تاجر في البز وهو القماش، بحجام، ولا تزوج بنت ثاني صاحب عقار بحائك..»، ثم يقول: وفي حديث «العرب بعضهم لبعض أكفاء إلا حائكا أو حجاما، قيل لأحمد: وكيف تأخذ به وأنت تضعفه؟ قال: العمل عليه. أي أنه يوافق العرف..» اهـ، المصدر السابق ص27.
لهذا فلا أتصور أن يصح أن يواجه أحد هذه الذهنية الفقهية بنص «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، وذلك لأن هناك (تأصيلا) لحاجة اجتماعية وجينية تفرض إلحاحها على الذهن الفقهي نفسه الذي يعلن تمسكه بالنصوص نفسها، ولكنه مضطر للمهادنة مع السياق الجمعي الذي نشأ الكثير من الآراء والاجتهادات في ظله في زمن سابق.
اليوم.. كيف يمكننا إيصال (المنتج الديني) لجيل جديد قرأ الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، واطلع ويطلع يوميا على النموذج الإنساني والحضاري والحقوقي الذي يخيم على كثير من دول العالم (الكافرة)؟ كيف يمكن إقناع أبنائنا، فضلا عن العالم من حولنا، بأن دينهم هو دين (عالمي) وصالح لكل زمان ومكان؟ بماذا نجيب على هذا (التخريب) غير المفهوم لاستقرار أسرة رضي فيها الطرفان ببعضهما؟ وهل تلزمنا في هذا العصر آراء واجتهادات مضت عليها قرون من الزمن؟
طالعتنا الأخبار في الأسبوع الماضي نفسه أيضا بخبر زواج أصغر عريس بتبوك، (العريس ذو خمسة عشر عاما)، وقد تزامن الخبران في التوقيت نفسه كي تطرح الأقدار أمامنا سؤالا موجعا كهذا: كيف يفكر هذا الذي يوافق على تطليق زوجين بالغين وتزويج طفلين قاصرين؟!
[email protected]