في عالم يكتنفه التطرف والإرهاب، وفي ظرف سياسي يلخص حالة المحن العربية المتتالية، يبرز في ذهنية صانع القرار السعودي والمصري على حد سواء، ضرورة وضع الرياض والقاهرة في موضع ثقلهما الطبيعي بعد سقوط أوراق عدد من الدول العربية التي طالتها نيران الحروب تارة والتفكك الاجتماعي تارة أخرى، مما يعني بالضرورة وجود قطبين من شأنهما الذود عن مصالح الأمة، والدفاع عنها.
من هنا، تتضح معالم اختيار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز القاهرة أول عاصمة عربية يزورها منذ توليه سدة الحكم العام الماضي.
رسائل عده تتضمنها تلك الزيارة، لعل أبرزها، الركض وراء إعادة مصر لحالة الارتياح السياسي الذي يمكنها من مواجهة الملفات العالقة ربما داخليا، بعد ظروف سياسية مرت بها البلاد، لتتفرغ لاستعادة دورها الإقليمي، بجانب المملكة، لتشكلا حالة صوت عربي، همه الأول والأخير وحدة الصف، ومواجهة الأخطار المحدقة التي تحاك ضده.
وصية المؤسس
الباحث في التاريخ السعودي المصري، سيجد عددا من وصايا الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- لأبنائه وشعبه بعدم التخلي عن مصر والوقوف إلى جانبها مهما كانت الظروف.
من هنا يدخل المفكر السياسي المصري الدكتور مصطفى الفقي خلال حديث له مع «مكة»، للحديث عن العلاقة السعودية المصرية.
ويمضي الفقي في سرد عدد من دعائم العلاقة السعودية المصرية، ومن بينها «أنها ذات طابع خاص باعتبارها قائمة على وصية الملك المؤسس -رحمه الله- بالإضافة إلى حكم الجوار والمصاهرة والتداخل الاجتماعي والثقل العالمي الذي تحظى به مصر في المحافل الدولية»، كل تلك عوامل من شأنها توطيد علاقة البلدين والشعبين، ومن هذه الزاوية تبرز أهمية القاهرة لدى القيادة السعودية.
الحاجة المتبادلة
لا يخفى على أحد حاجة الرياض للقاهرة، والعكس، ففي ظل المنطقة الملتهبة وظهور جماعات التكفير والإرهاب في معظم أجزائها، تبدو حاجة الرياض لاستقرار مصر أكثر من ذي قبل، يقابل ذلك حاجة مصرية للدعم والموقف والصوت السعودي، على اعتبار أن مصر عاشت حالة من التذبذب خلال الأعوام القليلة الماضية بعد ما سمي بـ»الربيع العربي».
ومن هنا يمكن استشراف حاجة البلدين لبعضمها بعضا، أي أن الرياض بحاجة إلى إعادة الارتياح السياسي في الشارع المصري، نظير ما شهدته من تبدل في السلطة فرضته الحالة السياسية في الأعوام الماضية، فيما تحتاج القاهرة مواقف السعودية المعروفة في حماية مصر وضرورة استقرارها.
دفع سعودي لاستعادة مصر دورها الإقليمي
تكفل زيارة خادم الحرمين الشريفين للقاهرة، دفع القاهرة بالضرورة لاستعادة دورها الإقليمي، وهي التي كانت جنبا إلى جنب مع الرياض بمثابة رمانة ميزان الانضباط العربي، والصوت الأكثر حكمة.
ويعطي الخبير المصري الدكتور عمر الشوبكي بعضا من ملامح الدفع السعودي الرامي لاستعادة الدور المصري من منطلق فتح عدد من الملفات السياسية ووضعها على الطاولة السعودية المصرية، كالدور المصري في ضرورة استقرار ليبيا، مرورا بالأزمة السورية التي تستوجب توافقا سعوديا مصريا حولها، انتهاء بحملة مكافحة الإرهاب، وهو الدور الذي من الطبيعي أن تضطلع الرياض والقاهرة في الجزء المهم منه.
ويضيف الشوبكي «هناك رغبة سعودية حقيقة في تفعيل دور مصر الإقليمي، فالبلدان يحكمهما تحالف استراتيجي بعيد المدى، وإن تعثرت مصر خلال الأعوام الماضية، إلا أن السعوديين جادين في دفع مصر لاستعادة قوتها وثقلها السياسي الإقليمي».
رمزية الزيارة
وللزيارة الملكية السعودية كونها الأولى لعاصمة عربية مغزى مهم ورسالة واضحة المعالم، أرادت الرياض عبرها ايصال رسالة للعالم طبقا للشوبكي، مفادها أن حتى وإن حدثت بعض التباينات في بعض من التفاصيل في الحالة السياسية للمنطقة، إلا أن جوهر العلاقة السعودية المصرية الاستراتيجي يجب وبالضرورة أن يتسامى عنها، مع السعي لحلحلة أي من تلك التباينات.
مصر داخليا
للحالة المصرية الداخلية اهتمام سعودي رسمي كبير لا يمكن إغفاله أو تجاهله، ذلك ما اعتبره رئيس مركز الخليج للأبحاث الدكتور عبد العزيز بن صقر دافعا سعوديا للسعي وراء استقرار مصر، فالحالة الداخلية في مصر ومواجهتها تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة، يجعل الإرادة في الرياض حريصة كل الحرص على دخول القاهرة في حالة من الاستقرار والهدوء السياسي والاقتصادي، مع تقديم الدعم الخليجي ضمن الحدود الممكنة، في ظل أزمة أسعار النفط، وكلفة الحرب في اليمن.
قطع طريق التوسع الإيراني
وللحالة الإقليمية دور كبير في انفتاح البلدين على بعض، فمواجهة السياسة الإيرانية كما يرى بن صقر ومنهجها التوسعي بحاجة إلى موقف مصري يواجه هذا التحدي، خاصة من حيث تعبئة التأييد العربي للموقف الخليجي في تحدي سياسة إيران التدخلية في شؤون العالم العربي، لإنهاء حالة التردد المصرية في هذا الصدد «إن وجدت».
الصوت المصري وتدويل الأزمات العربية
من منطلق تدويل الأزمة السورية التي يدور رحاها منذ 2011، وجد العرب أنفسهم أمام حاجة ملحة للدخول بقوة في أي نوع من التسويات التي تلوح في أفق العالم العربي، كالأزمة السورية التي تم تدويلها بشكل واضح وعلني، ومن هنا كما يجد بن صقر، برزت الحاجة إلى المحافظة على المطالب العربية في أي تسوية سياسية بين الدول الكبرى، لا سيما وأن الدور المصري يعتبر «شبه غائب» عن الساحة، ومن هنا ولدت الرغبة السعودية والخليجية في منح مصر دور داعم للدور الخليجي في القضايا الإقليمية، والابتعاد بالتالي عن الدور الهامشي لمصر والذي برز أخيرا في عدد من الملفات.
ترسية دعائم التاريخ السعودي المصري
من هنا وبالنظر لكل ما سبق من عوامل تستدعي تضامن سعودي مصري على كل المستويات، تبرز أهمية الزيارة الملكية التاريخية التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين إلى القاهرة، فالحالة السياسية في المنطقة مسبوقة بتاريخ كبير من التوافق السعودي المصري الذي أسس له المؤسس، تستدعي دفع القاهرة لاستعادة ثقلها السياسي في الملفات السياسية الراهنة والتي في غالبيتها «ساخنة»، والحفاظ على استقرارها داخليا، هذا بالإضافة إلى قطع دابر التدخلات الخارجية في الشؤون العربية الخالصة، والحرص على الاستقرار السياسي الداخلي المصري، مما يكفل عودة الثقل الحقيقي والطبيعي للصوت العربي.
أهداف الزيارة في نقاط
- تعزيز التحالف الاستراتيجي السعودي المصري
- وصية المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بمصر وأهل مصر
- الحرص على استقرار مصر الداخلي
- استعادة الثقل العربي للملفات العربية بالصوت السعودي المصري
- دفع مصر لاستعادة دورها الإقليمي والعالمي
- مواجهة الإرهاب
- قطع دابر التدخلات الخارجية
- تقوية الصوت العربي في المحافل الدولية
- إحباط الرغبات التوسعية من قبل إيران