عبدالله الجنيد

حكايا رئاسة

الاثنين - 04 أبريل 2016

Mon - 04 Apr 2016

لا زال هذا الحوار يحضرني كلما مررنا بمحطة انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة، فقد كان ذلك على متن طائرة موصدة الأبواب على أرض مطار دبي والجميع في حالة ترقب لما كان سيعلنه قبطان الطائرة من حصوله على إذن بالإقلاع أو إلغاء الرحلة للمرة الثانية نتيجة سوء الأحوال الجوية. كان ذلك في مطلع نوفمبر 1980 ودول جنوب الخليج العربي تتعرض لأقسى عاصفة مدارية. فدار هذا الحوار مع أحد المسافرين الأمريكان، حيث قلت «لا زال هناك متسع من الوقت للحاق برحلتك من لندن إلى دالاس»، فجاء رده «وصولي بعد إغلاق صناديق الانتخابات سيجعل هذه الرحلة ليست ذات قيمة ومما يزيد من الأمر سوءا أنني لن استطيع أن أحصل على كأس شراب قبل إقلاع هذه الرحلة الملعونة». بصراحة ترددت قبل أن أتجرأ بطرح سؤال آخر لطول قامته واحتقان وجهه، ومثل ما يقال في المثل «الطول عز» ولكن بعد هنيهة قررت المتابعة «أتمنى أن تصل في الوقت المناسب، ولكن لمن سيكون صوتك، لكارتر أم ريغان»، فجاء الرد بامتعاض «بالطبع ريغان، فلقد جربنا مزارع الفول الساذج وماذا حل بنا، وقد آن الأوان أن يحظى راعي البقر بفرصة ولن يكون ريغان أسوأ من كارتر».

بالتأكيد أن انتخابات عام 2000 الرئاسية كانت الأكثر إثارة لما فرضته عملية فرز الأصوات من جدل قانوني وسياسي بين بوش الابن وآل غور. إلا أن الصراع بين آل كلينتون وأوباما في السباق لنيل إجماع الحزب الديمقراطي لانتخابات 2008 قد قارب حرب الضرائر في بعض مراحله. تلك التجربتين الرئاسيتين مثلتا مجموعة من الانفلاتات غير المسبوقة في التاريخ السياسي الأمريكي. فالأول تعامل مع فترتي رئاسته وكأنها مشروع شخصي وتحقيق نبوءة إنجيلية في جزئها الأخير. فتلك الحقيقة سعى لأجلها كل المحافظين الجدد من الجمهورين (Van Anglicans) في التمني بحمل راية المسيح في ملحمة مرج عمران الموعود بها عندما يقود المسيح فيها الأخيار ليهزم الأغيار، فيعم الأرض السلام لألف عام. ومن مفارقات القدر أن يتصادف ذلك وأحمدي نجاد رئيسا لإيران، حيث دخل الأخير مزايدا حتى على خامنئي في التبشير بقرب ظهور المهدي المنتظر لحد ادعاء الاتصال به مباشرة حسبما أعلنه حينها اللواء محمد حسن نامي وزير الاتصالات وتقنية المعلومات الإيراني.

ولاية الرئيس أوباما تمخضت عن حالة حمل «كاذب» لا تتناسب وما قطعة من وعود بتحقيق السلام والعدالة في العالم، لدرجة أنه لم يحفظ عهده لنفسه بالإقلاع عن التدخين. حالة العجرفة تلك ثم الانحسار شجع قوم ياجوج ومأجوج في الاتحاد والشروع في تقاسم العالم بعدما اتضح للجميع انشغال الرجل بإرثه السياسي عن أي أمر آخر. فالصين توسعت جغرافيا عبر الجزر الاصطناعية في بحر الصين الجنوبي مما بات يفرض حالة من عدم الاستقرار غير المسبوق، وروسيا غزت الشرق الأوسط عسكريا، أما إيران فقد أعلنت احتلال أربع عواصم عربية. يا ترى لو التقيت ذلك الأمريكي الآن قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، فكيف ستكون عليه خيارات الرجل بين دونالد ترامب وربما هيلاري كلينتون؟ في تلك الرحلة من مبنى المطار إلى الطائرة تسنى لنا تفحص آثار الدمار الذي تركته العاصفة على بعض مرافق المطار، وكانت إحدى أبشع الصور التي شاهدت، منظرا لطائرة صغيرة (ذات مقعدين) وهي على ظهرها بعد أن اقتلعتها الريح وعبثت بهيبتها. كان وضع تلك الطائرة أقرب للسريالية من أي شيء آخر والأقرب لحال عالمنا اليوم. [email protected]