إبراهيم الأنصاري

الطوارق.. يملكون ولا يملكون

الاثنين - 04 أبريل 2016

Mon - 04 Apr 2016

حالة يصعب معها التعامل بمنطقية، شعب الصحراء المتناثر على مساحة شاسعة من الأرض هو الأكثر بها دراية والأكثر انسجاما مع دورتها المناخية القاسية، ثبت فيها مع نوبات الجفاف المتلاحقة، والأوبئة والصراعات المباشرة وغير المباشرة، حاول بما لديه من تجربة وإمكانات شحيحة أن يثبت خيامه دون أن تقتلعها ريح الصيف الحارقة.

تلك الأرض تقاسمتها دول تنحصر سلطتها عادة في إبرام عقود الاستغلال أو في ممارسة الجباية أو أثناء الحملات الانتخابية التي تنتهي وعودها بعد إعلان المنتصر فيها، وبعد ذلك ينتفي أي دور للدولة في تلك البقاع. ساكن الصحراء لا يفكر في أكثر من خيمة تظله وماء يشرب منه ويسقي، ومع كل هذا الزهد في السلطة والنفوذ إلا أن قواعد السياسة وصفقاتها لم تترك له مجالا للعزلة والانطواء.

في الـ23 من مارس أقر إعلان شرم الشيخ لوزراء الدفاع لدول الساحل والصحراء مكافحة الإرهاب، وأكثر المعنيين بالإعلان وأكبر ضحايا الإرهاب لا يعرف حتى اليوم ما هي تلك الدول، وفي موضوع أكثر تفصيلا عقد في الـ27 من مارس اجتماع داخلي بمدينة كيدال شمال مالي لإنجاز المزيد من الخطوات عن المصالحة الموقعة حول النزاع في مالي ومرة أخرى ليس على المعنيين من الساكنة إلا الاستماع إن أتيح لهم.

أوضاع مثل هذه أفرزت تراكميا تضييقا على سكان الصحراء، ما جعل حريتهم كما يرونها ومصادر أرزاقهم في مهب الريح إن لم يقوموا بخطوات لحمايتها. ولأسباب كثيرة يطول سردها لم يكن أمام كثير منهم إلا السير على خطى هاري مرجان في رواية يملكون ولا يملكون ليقاوم النمط الطبقي الذي أصبح يظلل رمال الصحراء تدريجيا وبات ترسيخ مفاهيم جديدة تعتمد على الجرأة في القتل والاستغلال معيارا للقوة والنفوذ.

صحيح أن الغالبية العظمى ما زالت تختار أن تتحرك في إطار هاري الصياد الفقير الذي جعل كل همه سد حاجته وسداد دينه، ولكن الأنباء الواردة من أطراف الصحراء تفيد باضطرار بعض أبنائها إلى الانتقال لحالة هاري الثانية، حيث القفز على كل المحاذير والأعراف وإن كانت النتيجة الحتمية هي الموت مستلقيا فوق أحد تلك الكثبان.

وفي حالة عدم التفات دعاة مكافحة الإرهاب إلى معالجة وضع كهذا معالجة حقيقية كتلك التي أعادت بناء المقابر في تجاهل للمأساة الإنسانية من حولها فإن كل جهد يبذل لن يكون إلا تكريسا لوضع يزداد تورما.

خاتمة: يتحول القط الأليف إلى كائن آخر عند محاصرته قد يموت لكن ليس دون أن يحدث أثرا.