التسيّب بطريقة نظامية (درس بيروقراطي)!
الأحد - 03 أبريل 2016
Sun - 03 Apr 2016
تكلمنا في المقال الماضي عن قصة الموظف العبقري الذي احتاجت الجهات الرقابية ست سنوات لتكتشف أنه يستلم راتبه كل هذه السنوات دون أن يذهب إلى عمله، وعندما وصفته بـ(العبقري) وسوس لي شيطان «المنطق» بأن الموظف سيئ الحظ ولا علاقة له بالعبقرية، فهو ليس الوحيد الذي يتمتع بإجازة طوال هذه الأعوام، لكنه الوحيد الذي كشفته الرقابة من بين (متمتعي) البيروقراطية والترهل في الوزارات والمؤسسات الحكومية، شخصيا لا أعرف موظفا لا يداوم مثل هذه المدة (أو على الأقل هو ليس غبيا ليخبر ملقوفا مثلي بهذا السرّ)، لكنني أعرف المئات من الموظفين ممن يداومون بطريقة (القطيّة) أي تقسيم الدوام بين مجموعة يوم بيوم أو شهر بشهر.. إلخ، وغالبا هؤلاء الموظفين يعملون في الأقسام التي يسمع بها رئيسهم المباشر ولم يرها، كالأرشيف والسجلات والمستودعات، وهي غالبا مطمع لكل موظف ليس لديه طموح وظيفي (أكل ومرعى وقلّة صنعة) كما يقول المثل، لكن في النهاية – رغم المنافسة الشرسة على هذه الأماكن – لا يصل إليها إلا الموظف الأكثر لا مبالاة والأقل إنتاجية حيث يوجّه مديره بخطاب فحواه (أبعدوه عن وجهي) كحل سلمي (ناعم) يُريح الاثنين من وجوه بعضهما، فالمدير يعتبر عدم رؤية الموظف لوجهه (الصبوح) – نسبة للفنانة الراحلة صباح وليس الصبح – عقابا قاسيا للموظف (الذكي)، والموظف ذهب منتصرا للأرشيف الكئيب الذي يقبع بمكان شبه مهجور لا يعرف طريقه إلا (الشلّة) الذين يداومون فيه وعامل البوفيه وبعض الموظفين المدخنين!، هؤلاء الشّلة أو النخبة (لا فرق) وصل عددهم لثمانية أشخاص دون عمل فعلي، ولأنه لا يوجد سوى مكتب واحد لم يشأ البقية أن يفترشوا الأرض فاستعانوا بالنظرية المعروفة (نظرية القطّة) حيث يداوم كل واحد منهم يوما في الأسبوع، والحقيقة أن حجتهم مقنعة جدا، فهم يقولون: (دام العمل ماشي فليش نتكدس بدون فائدة؟).
ولأننا دائما عندما نريد أن نعالج مشكلة فإننا ننظر للنتائج وليس لأسباب المشكلة فقد تفتقت عبقريتنا الإدارية عن الاستعانة (بالبصمة)، لكن ما حدث هو أن الجميع يأتي في السابعة صباحا ليمرر إبهامه الكريم على الجهاز، ويعود بعد الظهر ليتلقى التمريرة ويودعها هدفا ملعوبا بمرمى البيروقراطية، وبعد أن أصبح الغياب خطأ تحول لغياب نظامي، وعندها لن تتوصل هيئة الرقابة والتحقيق لأي دليل لإدانة الموظف حتى لو جلست ست سنوات تنتظره في مكتبه، بل لو لحقته في الشارع وصرخت به (ليش ما تداوم؟)، فسيبتسم ابتسامة ساخرة ويجيب: تراكم غلطانين تأكدوا من قسم المتابعة!
فيما الموظف المجتهد والمُنتج سيكون إما أحمق أو مُحبطا، ولا يوجد خيار ثالث، فهو يستلم نفس المرتب الذي يحصل عليه زميله الذي لا يداوم، وعندما يطلب إجازة فإن الجميع يحاول أن يثنيه عن قراره لأن العمل بحاجته!
الغياب شيء لذيذ خاصة عندما يكون نظاميا.. فتسيبوا!
[email protected]
ولأننا دائما عندما نريد أن نعالج مشكلة فإننا ننظر للنتائج وليس لأسباب المشكلة فقد تفتقت عبقريتنا الإدارية عن الاستعانة (بالبصمة)، لكن ما حدث هو أن الجميع يأتي في السابعة صباحا ليمرر إبهامه الكريم على الجهاز، ويعود بعد الظهر ليتلقى التمريرة ويودعها هدفا ملعوبا بمرمى البيروقراطية، وبعد أن أصبح الغياب خطأ تحول لغياب نظامي، وعندها لن تتوصل هيئة الرقابة والتحقيق لأي دليل لإدانة الموظف حتى لو جلست ست سنوات تنتظره في مكتبه، بل لو لحقته في الشارع وصرخت به (ليش ما تداوم؟)، فسيبتسم ابتسامة ساخرة ويجيب: تراكم غلطانين تأكدوا من قسم المتابعة!
فيما الموظف المجتهد والمُنتج سيكون إما أحمق أو مُحبطا، ولا يوجد خيار ثالث، فهو يستلم نفس المرتب الذي يحصل عليه زميله الذي لا يداوم، وعندما يطلب إجازة فإن الجميع يحاول أن يثنيه عن قراره لأن العمل بحاجته!
الغياب شيء لذيذ خاصة عندما يكون نظاميا.. فتسيبوا!
[email protected]