لحظة العم معيض: ثلاثة مشاهد وملاحظة

السبت - 02 أبريل 2016

Sat - 02 Apr 2016

شهد مجتمع الانترنت السعودي خلال الأسابيع الماضية لحظة مشهودة أسميها بلحظة العم معيض. تبدأ القصة من مقطع لأطفال عدة يلعبون داخل مجلس المنزل، وبعد قليل يدخل عليهم «العم معيض» بخيزران طويل ليوفي كل ذي حق حقه وسط هروب الأطفال وصياحهم. انتهى المشهد ولكن المقطع في يوتيوب أثار موجة من ردود الأفعال المتنوعة إلى حد كبير.

البداية من تويتر حيث سجل مئات الآلاف من التغريدات المعلقة على الحدث، ينقسم فيها المغردون بين مؤيد ومعارض، فالمؤيدون يعتقدون أن الضرب سلوك تربى عليه جيل كامل ولم يكن له آثار لاحقة، كما يؤكدون على أثر الضرب في التربية، أما المعارضون فيستندون إلى تغير ثقافة العصر، وأن أسلوب الضرب هذا لم يعد مناسبا في زمننا الحالي، حيث ازداد الوعي بحقوق الطفل والآثار بعيدة المدى للعنف الأسري في مراحل مبكرة.

المشهد الأكثر جدارة بالمتابعة هو تسابق الشركات على تقديم الهدايا والعروض لعائلة العم معيض لاستغلال «لحظة الشهرة» المجانية. حيث تراوحت الهدايا من عروض السفر والسياحة في تركيا إلى المكافآت المالية أو الاشتراكات الرياضية إلى ألعاب الكترونية. ما تفعله الشركات هنا جدير بالملاحظة والمتابعة لأنه أقرب إلى ما يمكن تسميته بالتسويق الطفيلي القائم على استغلال الترند القائم لترويج اسم الشركة. ما يجهله مسؤولو التسويق الرقمي في هذه الشركات أن مثل هذه المبادرات قد تنقلب وبالا عليهم من حيث ربط اسم الشركة بمسائل اجتماعية ذات حساسية عالية وانقسام كبير بعيدا عن نشاط الشركة الأصلي.

المشهد الثالث هو ظهور عشرات المقاطع التي تعيد تمثيل المقطع الأصلي بشكل فكاهي ومشاهدات عالية بمئات الآلاف. ما حصل هو أن مشهد ضرب الأطفال المؤلم تحول إلى لحظة كوميدية طريفة تجعل من مجلس العم معيض مادة عامة لا يتوقف استغلالها على الشركات فحسب بل الأفراد أيضا. الآثار الأبعد - التي تتجاوز الأطفال المتضررين - تتمثل في اعتبار لحظة الجلد هذه لحظة طبيعية «مضحكة» وليست انتهاكا صارخا لحقوق الأطفال يعبد الطريق لظهور مقاطع من ذات النوع.

هذه المشاهد الثلاثة تجعلنا نعيد النظر في مسألة لا تحظى بالنقاش الكافي أو البحث الكافي وهي كيف تتحول المقاطع فجأة إلى مقاطع مشهورة؟ بمعنى آخر، ما الذي يجعل مقطعا ما يتحول إلى ما يسمى بمحتوى فيروسي ينتشر بسرعة كبيرة، حيث في ظرف يوم واحد تحول «العم معيض» من شخص مغمور إلى شخصية تتصدر المشهد السعودي بطريقة لم يحسب لها أي حساب؟

العامل الأهم الذي تؤكد عليه الأبحاث العلمية هو في بنية الشبكة الاجتماعية وفي المحتوى. بنية الشبكة تعني ما هي الشرائح الأولى التي تنشر المحتوى بكثافة، حيث تؤكد الأبحاث (إضافة إلى تجارب المواقع المشهورة كفيس بوك) أن انتشار المحتوى بين شريحة محددة (مثلا شريحة المراهقين) عامل مهم لوصول المادة إلى الانتشار الكبير بعد ذلك. ففيس بوك على سبيل المثال لم يبلغ العالمية إلا بعد أن ظل حكرا لطلاب الجامعات الأمريكية ثم العالمية لعامين متتابعين. حين تود أن ترى المقطع «الترند» القادم ففتش في يوتيوب عما يراه المراهقون أولا! أما المحتوى فيقصد به أن يكون المحتوى ذا دلالة عاطفية إما مضحكة أو محزنة أو ما إلى ذلك. البحث عن هذين العاملين ما زال غائبا تماما لتحليل ما يتداول في المشهد المحلي، وهذا ما سأتناوله في مقالات قادمة.