الشبل.. أستاذ أجيال

الخميس - 31 مارس 2016

Thu - 31 Mar 2016

الشيخ محمد بن سليمان بن محمد الشبل - حفظه الله - علم من أعلام التربية والتعليم في بلادنا العزيزة، ومعلم مبرز في عطائه التعليمي، وقائد تربوي محنك في إدارته، يملك الصفات القيادية الناجحة التي تتمثل في شخصيته وقدرته على إدارة دفة الأمور.

أمضى نحو الـ30 عاما مديرا لمدرسة الملك عبدالعزيز الثانوية بمكة المكرمة، وهي أول مدرسة ثانوية حكومية على مستوى المملكة، والتي كانت قبل ذلك بمسمى (مدرسة تحضير البعثات) وفي إدارته لثانوية العزيزية، تخرجت أجيال، آلاف من الطلبة الذين تولا بعضهم مواقع مرموقة في مجالاتهم المختلفة، ومنهم من تقلد مناصب قيادية عليا في وطننا الحبيب.

ويكمن سر نجاح أستاذنا الفاضل وتألقه ومحبة الناس له إنسانيته الجميلة والراقية، فهو يحمل في قلبه روح الأبوة الحانية لتلاميذه، والأخوة الصادقة لزملائه، أحبهم فأحبوه لتواضعه الجم، وحسن خلقه الرفيع، وشخصيته الفريدة التي تجمع بين الهيبة والسماحة، وتعامله المتوازن بين الحزم والحكمة، وغايته النبيلة تنصب في خدمة ومصلحة طلابه، في توفير الجو التربوي الملائم للارتقاء في تحصيلهم العلمي، وزرع القيم الفاضلة والأخلاق الإسلامية النبيلة في نفوسهم، وتبنيه لكل رؤية تطويرية تعود بالمنفعة عليهم، مما ترك أثرا لا يمحى في ذاكرة طلابه وزملائه من الأساتذة الأفاضل، تلك كانت شهاداتهم في حق هذا المربي القدير أستاذ الأجيال المربي الأستاذ محمد السليمان الشبل، وهم يفخرون به كما هو يفخر بهم.

وكم كنت من المحظوظين لأن تعرفت إلى هذه القامة التربوية والأدبية الكبيرة، واقتربت إليه أكثر بالتعامل معه (لأتعلم منه كيف تواضع الكبار وأخلاقيات الحوار وحسن الظن بالآخرين) كان ذلك في بداية عملي كمدير للعلاقات العامة بالتعليم حينما كان أستاذي الفاضل سهل المطرفي مديرا للتعليم بمكة المكرمة.

ومن صفاته الخيرة، البساطة التي كان عليها أستاذنا الجليل والتي كانت تتجلى في سلوكه العام وفي حياته الخاصة، مما أكسبه مكانة اجتماعية ومحبة في قلوب الجميع، عازفا عن المناصب الكبيرة التي عرضت له وظل وفيا مكتفيا بإدارة مدرسته التي عشقها، وأعطاها الكثير والكثير.. مما يستحق الشكر والتقدير.

وأستاذنا الجليل ليس قائدا تربويا فحسب، بل هو أيضا من كبار الأدباء والشعراء في وطننا الغالي، الذين أثروا الساحة الشعرية بنتاجه الوجداني وبقضايا أمته العربية والإسلامية، وممن مثلوا المملكة في المهرجانات الشعرية وفي مؤتمرات أدباء العرب، وقد ورد ذكره من قبل الكثير من الباحثين والدارسين والأدباء المهتمين بالأدب السعودي أمثال الأساتذة الأفاضل من الأدباء (عبدالله بن إدريس، وعبدالسلام الساسي في موسوعته الأدبية والدكتور بكري شيخ أمين في بحث موسوعي عن الأدب في المملكة مع طائفة من النقاد وكذلك الدكتور يسري عبدالغني، وآخرها (شعراء من القصيم) للأستاذ عبدالرحمن بن عواض الحربي، ثم الكتاب الموسوعي (الشعر بالقصيم) للدكتور عبدالرحمن بن إبراهيم المطوع.

ومن أهم أعماله الأدبية ديوانان (نداء السحر) و(أزهار وأشواك)، ورغم أن أستاذنا من مواليد عنيزة عام 1349هـ إلا أنه حجازي الهوى والفكر والعلم، حيث أمضى زهرة شبابه في مكة المكرمة، متخرجا من المعهد العلمي السعودي عام 1369هـ. ثم التحق بأول كلية في المملكة وهي كلية الشريعة بمكة وتخرج فيها عام 1373هـ.

وفي عام 1374هـ، عين مدرسا في المدرسة الرحمانية الثانوية بمكة المكرمة، ثم ما لبث أن أصبح بعد مرور عامين مديرا للمدرسة.

وفي عام 1380هـ، عين مديرا لمدرسة الملك عبدالعزيز الثانوية بمكة المكرمة إلى أن أحيل للتقاعد عام 1409هـ.

هذا العطاء الثري البراق لمسيرة حافلة وسيرة عطرة لأستاذ أجيال زرع زرعا طيبا فجنى لهذا الوطن ثمارا يانعة من الرجال الأخيار، فمثله يذكر فيشكر بكل حب وامتنان وتقدير على جهوده الخيرة، فهل لنا أن نرد بعضا من هذا الجميل وهذا الوفاء ليكون لصاحبه نصيب من الاحتفاء والتكريم المعنوي الملموس، وكلي أمل أن تبادر الإدارة العامة للتعليم بمنطقة مكة المكرمة إلى تكريم هذه القامة التربوية والأدبية الرائدة، ولا سيما أن الكثير من أبناء مكة المكرمة جيل يليه جيل، تدين له بالفضل والامتنان، كما آمل من أمانة العاصمة المقدسة أن يكون لها دور في هذا التكريم في تسمية أحد الشوارع المتفرعة والقريبة من مدرسة العزيزية الثانوية باسمه، سائلا الله عز وجل لأستاذنا الجليل الصحة والعافية وطول العمر.

من شعر شاعرنا الشبل:

قال لي والشمس تنساب على كف الربا

وحنايا الأفق تغتر بأنسام الصبا

والشعاع الحلو في عيني يزهى طربا

هل نسيت العهد.. هل ضاع كما ضعت هنا!