أين (سد الذريعة) عن العمليات الانتحارية؟
الأربعاء - 30 مارس 2016
Wed - 30 Mar 2016
قاعدة سد الذريعة قاعدة كلية من قواعد إعمال الشرع في الوقائع، وهي قاعدة معمول بها في كل قوانين العالم وأنظمته الموجهة لضبط مصالح الناس، ويكمن الاختلاف بين القوانين في إعمال تلك القاعدة في مرجعية القانون، وفي تقدير المصلحة والمفسدة، وتتلخص قاعدة سد الذريعة في الفقه الإسلامي في وجود أمر مشروع دينيا ومأذون به إلا أن فعله يؤدي إلى مفسدة، وتكون تلك المفسدة راجحة على مصلحة الفعل المأذون، هنا ينقلب الحكم الشرعي من الإباحة إلى التحريم والمنع، ويلخص القرطبي ذلك بقوله: «الذريعة عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه، يُخَاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع»، ومثال ذلك قوله تعالى: (ولا تسبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم)، فسب الأوثان ليس ممنوعا شرعا، لكن ورد النهي عن سبها، لأن ذلك ذريعة لسب الله، ومع الاتفاق على جلالة تلك القاعدة، وأهميتها في تحقيق المصالح ودفع المفاسد إلا أنه يلحظ أن الخطاب الفقهي المعاصر توسع كثيرا في استعمالها، فهو يعمد أحيانا للإفتاء بحرمة أمور مباحة سدّا للذريعة مع عدم تحقق وجود مفسدة غالبة، وتلك الفتاوى ولَّدت حرجا وعسرا في تعاملات اجتماعية كثيرة، وجعلت كثيرين يطالبون بإعادة النظر فقهيّا ببعض الفتاوى تيسيرا على الناس، ومع كل هذا التوسع بإعمال قاعدة (سد الذريعة) إلا أنه لم تصدر فتاوى كثيرة من جمهرة واسعة من فقهاء هذا العصر في تحريم العمليات الانتحارية بكل صورها وتطبيقاتها إعمالا لقاعدة سد الذريعة، ولو افترضنا الإجماع على حلها – ابن عثيمين وابن باز والألباني يحرمونها مطلقا - لوجب على الفقيه المتمرس بأصول الدين والقواعد الكلية تحريمها اليوم بكل صورها وتطبيقاتها من باب سد الذريعة بعد أن تحولت إلى سلاح فتاك بأيدي المتطرفين يعبثون به بأمن الأمة، ويشوهون به صورة المسلمين في العالم كله، إذ توسع في استعمالها حتى آل إلى هوة أخلاقية مخيفة، وذلك بقتل المدنيين في الأسواق وشوارع المدن، ثم تطور الأمر مع داعش إلى تفجير دور العبادة، وأصبح كل مسلم يرمز في المخيال الشعبي لدى شعوب العالم إلى مشروع انتحاري، وقد ترك الرسول صلى الله عليه وسلم قتل بعض المحاربين للإسلام من المنافقين خوفا من أن يقول الناس: إن محمدًا يقتل أصحابه، أي أنه راعى الدِّعاوة السلبية التي يحدثها قتل ذلك المحارب في عصر لم يكن فيه وسائل إعلام، فكيف بنا اليوم وقد أصبح العالم كله قرية واحدة؟!، فكل عملية انتحارية يقوم بها أولئك المتطرفون تحدث أثرًا بالغ السوء بسمعة المسلمين.
لا يصح بأي حال أن تسكت الجمهرة الكاثرة من فقهاء الإسلام اليوم وقد اتسع الخرق، وأصبح الوضع بحاجة لموقف جماعي شجاع لتحريمها مطلقا بكل صورها، أدرك أن كثيرا من الفقهاء متيقنون بهشاشة أدلة جوازها، ويرون أنها أصبحت ذريعة لتشويه الإسلام، لكنهم لا يجرؤون على تحريمها؛ لأنها اكتسبت حصانة ضد النقد بسبب ارتباطها بقضية فلسطين، فأصبح الفقيه يخشى الجمهور، ويخطب ودَّه، وبهذا تحول إلى تابع للجمهور في الوقت الذي يجب أن يكونوا في مقدمة الركب، وقد كان للشيخ محمد العثيمين موقف صريح وقاطع في تحريم العمليات الانتحارية، حيث قال: «فأما ما يفعله بعض الناس من الانتحار، بحيث يحمل آلات متفجرة، ويتقدم بها إلى الكفار ثم يفجرها إذا كان بينهم فإن هذا من قتل النفس - والعياذ بالله - ومن قتل نفسه فهو خالد مخلد في نار جهنم أبد الأبدين كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن هذا قتل نفسه لا في مصلحة الإسلام؛ لأنه إذا قتل نفسه، وقتل عشرة أو مئة أو مئتين، لم ينتفع الإسلام بذلك»، ونحن اليوم أحوج ما نكون لبث تلك الفتوى وأمثالها، وترجمتها للغات العالم الحية؛ لتعرية أصحاب العنف، وإطلاع العالم على رأي علماء المسلمين بالعنف المدمر الذي ينتهجه المتطرفون الغلاة.
aldahian.s@makkahnp.com
لا يصح بأي حال أن تسكت الجمهرة الكاثرة من فقهاء الإسلام اليوم وقد اتسع الخرق، وأصبح الوضع بحاجة لموقف جماعي شجاع لتحريمها مطلقا بكل صورها، أدرك أن كثيرا من الفقهاء متيقنون بهشاشة أدلة جوازها، ويرون أنها أصبحت ذريعة لتشويه الإسلام، لكنهم لا يجرؤون على تحريمها؛ لأنها اكتسبت حصانة ضد النقد بسبب ارتباطها بقضية فلسطين، فأصبح الفقيه يخشى الجمهور، ويخطب ودَّه، وبهذا تحول إلى تابع للجمهور في الوقت الذي يجب أن يكونوا في مقدمة الركب، وقد كان للشيخ محمد العثيمين موقف صريح وقاطع في تحريم العمليات الانتحارية، حيث قال: «فأما ما يفعله بعض الناس من الانتحار، بحيث يحمل آلات متفجرة، ويتقدم بها إلى الكفار ثم يفجرها إذا كان بينهم فإن هذا من قتل النفس - والعياذ بالله - ومن قتل نفسه فهو خالد مخلد في نار جهنم أبد الأبدين كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن هذا قتل نفسه لا في مصلحة الإسلام؛ لأنه إذا قتل نفسه، وقتل عشرة أو مئة أو مئتين، لم ينتفع الإسلام بذلك»، ونحن اليوم أحوج ما نكون لبث تلك الفتوى وأمثالها، وترجمتها للغات العالم الحية؛ لتعرية أصحاب العنف، وإطلاع العالم على رأي علماء المسلمين بالعنف المدمر الذي ينتهجه المتطرفون الغلاة.
aldahian.s@makkahnp.com