تعليمنا يغرق.. والإنقاذ بعد خمسمئة عام!
الثلاثاء - 29 مارس 2016
Tue - 29 Mar 2016
كنت قد حررت مقالا عن أزمة فواتير المياه، والجدل المتزايد حول ارتفاعاتها الهائلة، حتى اطلعت على مقال أثار الكثير من علامات التعجب، ورسم العديد من دوائر التعجب، فيه من الجرأة الشيء الكثير، والأعجب فيه أن من كتب نقده ونثر همه وصب جام غضبه على التعليم هو المسؤول الأول عنه؛ حيث كتب معالي وزير التعليم مقالا عجيبا «تعليمنا إلى أين» تضمن العديد من النقاط، وفيه دلالة على سبر الأغوار، لكنه مؤسف في نفس التوقيت؛ ففقدان الأمل سمته الغالبة، وربما وصل ذلك إلى درجة التشاؤم المقيت، فأجلت الحديث عن المياه للأسبوع القادم؛ فالتعرفة الجديدة سيتم تطبيقها مطلع أبريل المقبل. لأتحدث عن التعليم، إذ هو الشغل الشاغل لكل أمة تروم الرقي والتطور.
تصور – عزيزي القارئ – أن وزيرا يعترف أن الواقع الراهن لنظامنا التعليمي لا يرضي الطموح، ويردف أنه لا يزال مكبلا بكم هائل من التحوطات والتوجسات المكتوبة وغير المكتوبة، والمخاوف المكبوتة وغير المكبوتة، والتدخلات ممن يمتلك الخبرة والمعرفة والدراية والحكمة وممن لا يمتلكها، ممن يحشر أنفه في كل قضية، ويفتي في كل شاردة وواردة، وممن يتخوف من كل جديد فيحاول أن يمحو كل فكر مبدع ويسعى إلى تكبيل الميدان بشكوك وهواجس ومعارك صغيرة وتافهة هنا وهناك!
لا تتوقف عن التعجب، فالوزير يؤكد الحاجة إلى إعادة صياغة مفهوم المدرسة، وأنها ليست مجرد دروس وحصص وفصول، وإنما مؤسسة تعليمية وتربوية، يفترض أن تساهم بفعالية في تشكيل هـوية الطالب وشخصيته ويتشرب من خلال برامجها ودروسها ونشاطاتها القيم والمعارف والسلوكيات الحسنة، ويمضي فيها الطالب أجمل أوقات حياته، ويتخرج منها وقد أصبح أكثر نضجا، وأقدر على مواجهة تحديات الحياة، بمهارات تمكنه من مواصلة تعليمه.
كلام هو للخيال أقرب منه للواقع، وغارق في البعد عن الواقع المعاش، وهنا أحرص على استخدام ألفاظ الإغراق التي استخدمها الوزير أكثر من مرة، وقد خيل لي أن التعليم يغرق، والمؤلم أن عملية الإنقاذ سوف تستغرق 500 عام، لا تندهش فهذا كلام الوزير نصا «إن تدريب المعلمين ورفع قدراتهم ومهاراتهم تتطلب جهودا عظيمة وأموالا طائلة وإمكانات بشرية كبيرة، فمراكز التدريب الموجودة حاليا في إدارات التعليم متواضعة الإمكانات، قليلة الخبرات، ولو تمكنا من فتح مجال التدريب خارج المملكة فلن نستطيع تدريب أكثر من 1000 معلم في العام الواحد، وبالتالي سنحتاج إلى 500 عام لندرب جميع المعلمين والمعلمات».
ولنا أن نسأل لماذا تلك المراكز قليلة الإمكانات، وأين المليارات التي تم صرفها للتطوير (رسالة لنزاهة).
لقد انتابتني نوبة من الاندهاش، فالمليارات التي تم إنفاقها على التعليم يبدو أنها ضلت طريقها، حتى إن الوزير الجديد يتحدث عن الواقع بهذه الطريقة الموغلة في اليأس؛ وخمسمئة عام يبدو أنها على طريقة الاستحالة وليست مقصودة كعدد، وهذا يفقدنا الأمل في تدريب وتطوير المعلم الذي يعد ركنا ركينا في العملية التعليمية، مع أن المفترض أن تأهيله وإعداده يسبق تعيينه، فهل وصلت الرسالة للوزير؟
وليس جديدا أن كل وزير يأتي يؤكد على أهمية تحسين البيئة، ورفع كفاءة الأداء، وتطوير النظم والإجراءات، وتفكيك المركزية قدر الإمكان، لكن الواقع يؤكد بقاء الوضع على ما هو عليه بدليل ربط كل شيء بالوزارة بل بالوزير شخصيا في بعض الإجراءات الإدارية والمالية مؤخرا.
والمحزن تأكيد الوزير على أن المشكلات واضحة، ولا وقت لإضاعته في إعداد استراتيجيات أو دراسات، وأن الوضع معقد ويتطلب حلولا خلاقة طويلة المدى بعيدا عن دهاليز البيروقراطية والمركزية، وهنا نتساءل عن الحلول وكيفية القضاء على البيروقراطية المتجذرة في وزاراتنا وأنظمتنا، وليت الوزير فصل ذلك لإقناعنا، رغم الإيقان التام بأن تلك الحلول لا يمكن لها أن ترى النور إلا بأخذها ممن هم في الميدان، وقد كان للوزارة تجارب سابقة مع بعض أساتذة الجامعات وتسليمهم حقيبة التطوير، والنتيجة لم تكن مرضية على الإطلاق والسوء ظاهر للعيان.
وقد سبق لهذه الزاوية المطالبة بالتطوير من خلال ذوي الخبرات وليس الشهادات (مع كامل الاحترام لهم)، لأننا بصدد عمل علمي مهني بهدف التطوير بعيد كل البعد عن التنظير.
إن من المشاهد أن تعليمنا لا يواكب التطلعات رغم المليارات، والوزير لم يتحدث عن التعليم الجامعي بما يفي، وهو أيضا يغرق بشكل لافت ويبدو أن الإنقاذ سيستغرق ألف عام، فهل ثمة بصيص أمل؟
[email protected]
تصور – عزيزي القارئ – أن وزيرا يعترف أن الواقع الراهن لنظامنا التعليمي لا يرضي الطموح، ويردف أنه لا يزال مكبلا بكم هائل من التحوطات والتوجسات المكتوبة وغير المكتوبة، والمخاوف المكبوتة وغير المكبوتة، والتدخلات ممن يمتلك الخبرة والمعرفة والدراية والحكمة وممن لا يمتلكها، ممن يحشر أنفه في كل قضية، ويفتي في كل شاردة وواردة، وممن يتخوف من كل جديد فيحاول أن يمحو كل فكر مبدع ويسعى إلى تكبيل الميدان بشكوك وهواجس ومعارك صغيرة وتافهة هنا وهناك!
لا تتوقف عن التعجب، فالوزير يؤكد الحاجة إلى إعادة صياغة مفهوم المدرسة، وأنها ليست مجرد دروس وحصص وفصول، وإنما مؤسسة تعليمية وتربوية، يفترض أن تساهم بفعالية في تشكيل هـوية الطالب وشخصيته ويتشرب من خلال برامجها ودروسها ونشاطاتها القيم والمعارف والسلوكيات الحسنة، ويمضي فيها الطالب أجمل أوقات حياته، ويتخرج منها وقد أصبح أكثر نضجا، وأقدر على مواجهة تحديات الحياة، بمهارات تمكنه من مواصلة تعليمه.
كلام هو للخيال أقرب منه للواقع، وغارق في البعد عن الواقع المعاش، وهنا أحرص على استخدام ألفاظ الإغراق التي استخدمها الوزير أكثر من مرة، وقد خيل لي أن التعليم يغرق، والمؤلم أن عملية الإنقاذ سوف تستغرق 500 عام، لا تندهش فهذا كلام الوزير نصا «إن تدريب المعلمين ورفع قدراتهم ومهاراتهم تتطلب جهودا عظيمة وأموالا طائلة وإمكانات بشرية كبيرة، فمراكز التدريب الموجودة حاليا في إدارات التعليم متواضعة الإمكانات، قليلة الخبرات، ولو تمكنا من فتح مجال التدريب خارج المملكة فلن نستطيع تدريب أكثر من 1000 معلم في العام الواحد، وبالتالي سنحتاج إلى 500 عام لندرب جميع المعلمين والمعلمات».
ولنا أن نسأل لماذا تلك المراكز قليلة الإمكانات، وأين المليارات التي تم صرفها للتطوير (رسالة لنزاهة).
لقد انتابتني نوبة من الاندهاش، فالمليارات التي تم إنفاقها على التعليم يبدو أنها ضلت طريقها، حتى إن الوزير الجديد يتحدث عن الواقع بهذه الطريقة الموغلة في اليأس؛ وخمسمئة عام يبدو أنها على طريقة الاستحالة وليست مقصودة كعدد، وهذا يفقدنا الأمل في تدريب وتطوير المعلم الذي يعد ركنا ركينا في العملية التعليمية، مع أن المفترض أن تأهيله وإعداده يسبق تعيينه، فهل وصلت الرسالة للوزير؟
وليس جديدا أن كل وزير يأتي يؤكد على أهمية تحسين البيئة، ورفع كفاءة الأداء، وتطوير النظم والإجراءات، وتفكيك المركزية قدر الإمكان، لكن الواقع يؤكد بقاء الوضع على ما هو عليه بدليل ربط كل شيء بالوزارة بل بالوزير شخصيا في بعض الإجراءات الإدارية والمالية مؤخرا.
والمحزن تأكيد الوزير على أن المشكلات واضحة، ولا وقت لإضاعته في إعداد استراتيجيات أو دراسات، وأن الوضع معقد ويتطلب حلولا خلاقة طويلة المدى بعيدا عن دهاليز البيروقراطية والمركزية، وهنا نتساءل عن الحلول وكيفية القضاء على البيروقراطية المتجذرة في وزاراتنا وأنظمتنا، وليت الوزير فصل ذلك لإقناعنا، رغم الإيقان التام بأن تلك الحلول لا يمكن لها أن ترى النور إلا بأخذها ممن هم في الميدان، وقد كان للوزارة تجارب سابقة مع بعض أساتذة الجامعات وتسليمهم حقيبة التطوير، والنتيجة لم تكن مرضية على الإطلاق والسوء ظاهر للعيان.
وقد سبق لهذه الزاوية المطالبة بالتطوير من خلال ذوي الخبرات وليس الشهادات (مع كامل الاحترام لهم)، لأننا بصدد عمل علمي مهني بهدف التطوير بعيد كل البعد عن التنظير.
إن من المشاهد أن تعليمنا لا يواكب التطلعات رغم المليارات، والوزير لم يتحدث عن التعليم الجامعي بما يفي، وهو أيضا يغرق بشكل لافت ويبدو أن الإنقاذ سيستغرق ألف عام، فهل ثمة بصيص أمل؟
[email protected]