أفل عرّاب التآليف التنويرية.. وغادر الرياضي «عاشق الحرف»

الثلاثاء - 29 مارس 2016

Tue - 29 Mar 2016

أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك على نعمتي الصبر والاحتساب، فقد رزئت، وأنا في رحلة علاجية خارج الوطن، برحيل أستاذنا التنويري الكبير الأستاذ عابد خزندار، «رحمه الله».. قامة سمقت في بيادر النقد، ودنياوات الثقافة، وضجيج الأدب.. ودهاليز الترجمة، وصولات الإبداع، تنقل بينهم بمواهبه الأنيقة، وسوحه المعطاءة، بخطى واثقة، ومقدرة مميزة، ونفس شفيفة، شغوفا بالآراء الفلسفية التي غاص تفاصيلها، وعاش مكنوناتها بين ضفاف أسفار ابن رشد ونيتشه وأرسطو وغيرهم.. فتعملق كثيرا بالنظريات النقدية والافتتان بالحرية الفرنسية الفكرية والإنسانية في باريس التي قصدها للمرة الأولى أواسط السبعينات الميلادية من القرن الماضي، باحثا، ولاهثا، وعاشقا، وناحتا مستقبله الثقافي فيها، أمينا عليه، وخازنا لداره الفكرية والأدبية.. رحل إليها. .ورحل فيها، وببين الرحلتين تصدى لأزمة النقد وقضايا المثقف، ومطالب الفكر، ونبض الكلمة، وأرق الصحافة، فالكتابة عنده شغل متواصل، وجهد عمليّ كثيف الفكرة، عميق الأسلوب، أثبت كفاءة صحافية من خلال الكلمة المنضبطة بكثير من المسؤولية والمهنية عبر عدة أعمدة صحافية آخرها «نثار» في صحيفة الرياض، حيث تنقل فيه بين بعد الحداثة في أقصى مراحل النقد الموضوعي، وبين الحديث عن دقائق الحياة اليومية السعودية.

كان للإثنينية وقفة شكر وتقدير؛ تكريما واحتفاء بمنجزه النقدي، وبكتاباته التي تشعّ فكرا نيرا، يتزين بالجرأة المسؤولة، والحصافة الرزينة، والكياسة البديعة.. فأسعدنا بأمسية مميزة بتاريخ 13/02/1422هـ الموافق 07/05/2001م ظلت عالقة عبقة بأذهان كثير ممن أحاطوه، حبا، وعرفانا، وتواصلا، وتم توثيقها صوتا وصورة تُهدى لمن يطلبها، وكالعادة رُصدت ضمن فعاليات الجزء الثامن عشر من سلسلة « الإثنينية».

رحم الله أستاذنا الكبير عابد خزندار وأحسن إليه بقدر ما قدم لوطنه وأمته، وستظل مؤلفاته الإبداعية ومنجزاته الأدبية، إرثا نعتز ونفخر به..

كما رزئت، والحمد لله الذي كتب الموت على الخلق أجمعين، بفقد الزميل الأستاذ الكبير حامد عباس صعيدي «رحمه الله»، المستشار الإعلامي ونائب رئيس التحرير في جريدة عكاظ سابقا.

رحلة مفعمة بالجدية والنشاط بدأها من رحم الرياضة لاعبا، وناقدا، ومحللا رياضيا، وصولا إلى شَرف الصحافة الحياتية التي عاش فيها، حريصا على قراءة واقعها، ودقائق شؤونها، وثراء فصولها، في لهاث مستديم خلف الخبر، والصورة، والسبق الصحفي، والتحليل الرياضي، والسياسي، والاجتماعي، فامتازت مقالاته بشمولية موضوعاتها، وتعدد اهتماماتها، ظهر جليا في نتاجه الغزير، عالج من خلاله كثيرا من الاهتمامات الاجتماعية التي تلامس هموم المواطن، بأسلوب سهل، أتحف به القراء عبر «الندوة» و»المدينة» و»البلاد» و»عكاظ» إلى أن لقي ربه رحمه الله.

سعدت «الإثنينية» بحرصه الأنيق لأمسياتها منذ فجر بزوغها قبل أربع وثلاثين سنة أي عام 1403هـ (1982)، شأنه شأن الحادبين الكثر الذين لم يبخلوا عليها برأي سديد، أو فكر جديد.. مشاركا بالكلمة الهادفة، والتعليق الرصين، والحضور البهي، واكب بكل أريحية تكريم الرعيل الأول من الأدباء السعوديين كالأنصاري، والسباعي، والكتبي، والزيدان، وغيرهم كثر، رحمهم الله رحمة الأبرار.

ألا رحم الله فقيدنا أباهاني بقدر ما أسهم وساهم في مسيرة العمل الصحافي، والإبداع الثقافي، والشأن الاجتماعي.