عبدالله الجنيد

صناعة الخرافة

الاثنين - 28 مارس 2016

Mon - 28 Mar 2016

في عام 1981 عرض فيلم صقور الليل (Nighthawks) من بطولة النجم سيلفستر ستالون وآخرون مبشرا بقدوم الإرهاب إلى الشاطئ الشرقي من الأطلنطي. الفيلم ليس الحدث هنا بل «البشارة» بوصول الإرهاب العربي إلى الولايات المتحدة وانطلاق أولى خطوات الاغتيال المعنوي والأخلاقي للشخصية العربية بشكل ممنهج. فصناع الفيلم تعمدوا التركيز على شخصيات محورية، هي ضابط الشرطة الدولية «المبهم الجنسية» وستالون الشرطي النيويوركي، والقاتلة العربية الأنيقة الشيخة هالة.

ونحن لسنا هنا اليوم للبكاء على اللبن المهدر بل لمراجعة أحد أكبر هفوات إدراكنا لقيمة دروس الفرص المهدرة، فمنذ ذلك التاريخ والإعلام الدولي يستسيغ إظهار الشخصية العربية في الإطارين النمطيين المجمع عليهما، إما قاتل أو سفيه في ظل لامبالاة عربية وتسيد فرضية أن الإسلام هو المستهدف، حتى بعد انكشاف مشروع التقسيم الجديد للشرق الأوسط العربي. ومما سهل على خصومنا ذلك الاستهداف وسهولة التحلل من أي تبعات أو مسؤولية أخلاقية ومهنية، هي حالة الارتباك السياسي والاجتماعي في تعاطينا مع مفهوم «الإرهاب» عربيا رغم كوننا أكبر ضحاياه. «فالإرهاب هو ممارسة أقصى درجات العنف بتمييز أو دونما تمييز في حق آخرين يصل لدرجة القتل الفردي أو الجماعي، فقط لتحقيق تسيد منطق فئة على سيادة القانون والمجتمع»، مما يستوجب التعاطي معه كجريمة لا ميدان سجال فقهي. كما جاء في رد الأزهر حول «المنتمين» إلى تنظيم داعش الإرهابي في بيان له في نوفمبر 2014 (لا تكفير لمسلم مهما بلغت ذنوبه).

عندما نجتهد في تغيب مقاييس قيمنا إنسانيا وقانونيا، فإننا نضر بالإسلام قبل الهوية العربية، وعندما نستسلم لفرضية استهداف الإسلام فقط، فإننا نفتح كل أبواب حصوننا الخلفية لكل مدارس الفكر السياسي المتأسلم الطائفية وعرقلة كل جهود الإصلاح. نحن اليوم في حاجة لانتهاج خطاب يتجاوز قيافتنا الخارجية في التعريف بنا إنسانيا وثقافيا. وأن ندرك أن قدرة جهد الفرد قد تتجاوز من حيث القيمة جهد وزارة أو سفارة. فقبل أيام انتشر عبر فضاءات التواصل الاجتماعي فيديو لسعودية تعيش في العاصمة السويدية أستوكهولم، حيث قامت تلك الشابة السعودية وهي «يارا عثمان» بعمل شجاع بحمل يافطة كتبت عليها «أنا مسلمة، فأنا إذا:»، وتركت للجميع حق التعبير عن رأيهم فيها رغم عدائية بعض التوصيفات، لكن بمرور بعض الوقت تغير موقف الغالبية العدائي الصرف تجاهها إلى المعجب بشجاعتها. في وقت هو الأصعب أوروبيا نتيجة حالة الاحتقان العدائي لكل ما هو عربي أو مسلم على خلفية الأعمال الإرهابية في بروكسل الأسبوع الماضي.

ما نحتاجه هو المزيد من التعاطي الإيجابي المباشر لا الركون إلى الأدوات التقليدية في تمثيل ثقافتنا في زمن بات فيه اسم داعش هو الأول عالميا. ربما لم يكن بيدنا إيقاف تحويل سوريا إلى أكبر تجمع لدبابير البشر في أبشع صورها، لكننا نملك أن نسهم في إجبار الآخر على سماعنا عندما نستخدم وسائط تمثل قواسم إنسانية مشتركة، وأولها ما يقبله العقل وما خلصت إليه العلوم. ففي العام الماضي احتفل رائد الفضاء الأول عربيا، الأمير سلطان بن سلمان مع طاقم مكوك الفضاء دسكفري بمرور ثلاثين عاما على تلك الرحلة التاريخية، وفي نفس العام يخرج علينا شيخ دين ينفي دوران كوكب الأرض.

التطرف لم يعد حالة خاصة بل عامة في كل الأعراق والأجناس، وأن من نفذ تلك الهجمات الإرهابية في بروكسل وقتل 34 شخصا هم بلجيكيون أولا لا مسلمين. فاليوم نحن أمام فرصة تاريخية يجب استثمارها بكل عناية بعد صدور حكم إدانة من قبل قاضي اتحادي في قضية (هافليش) في حق كل من إيران وحزب الله بعد ثبوت تورطهم في اعتداءات 9/‏11. فتلك الأحكام تمثل انعطافة يجب أن تحلب إلى آخر قطرة في تصويب ما تقدم، بل والوصول لحد مقاضاة الولايات المتحدة عن كل ما لحق بنا من أضرار مادية ومعنوية منذ تاريخ تلك الاعتداءات في 11/‏ 09/‏ 2001، بل وما نتج عن غزو العراق في 2003.

[email protected]