حنان المرحبي

النجاح في قصة

الأحد - 27 مارس 2016

Sun - 27 Mar 2016

انتشرت في الآونة الأخيرة القصص التي تتحدث عن حياة الناجحين، وذلك أمر متوقع إذا ما نظرنا إلى جانب الطلب على هذه النوعية من القصص وسعة فضول الشباب والفتيات للتعلم من تجارب الناجحين والناجحات.

وقد تحمل تلك القصص معاني ملهمة، أو تمنح المستمع الفرصة لارتداء عدسات جديدة، تسمح له بالرؤية من أبعاد مختلفة عن تلك المألوفة له، لتتغير الطريقة التي يحكم بها على مواقف الحياة ويعالج من خلالها المشكلات.

قد ينجح صاحب القصة العصامية من تصوير ما اعترضه من تحديات بطريقة تجعل المتلقي يعتقد أن الطريقة قد وصلت مكتملة، والأداة أصبحت جاهزة للانطلاقة الكاسحة نحو تحقيق الحلم.

والغريب في الأمر، أن أصحاب قصص النجاح ومستهلكيها قد لا يحملون في أذهانهم معنى موحدا للنجاح، فيظل في الذهن نقطة ضائعة ومبهمة، غير متفق على معانيها ولا مقاييسها، إلا أن الكل يتناولها بثقة مثيرة للدهشة.

فقد يرى الأكاديميون أن مقياس النجاح لطالب المرحلة الجامعية هو مقابلة متطلبات القسم من حضور وواجبات واختبارات. لكن هل الحصول على الشهادة هو النجاح النهائي الذي يبحث عنه الطالب؟ بمعنى آخر، هل المقاييس التي وضعها القسم ستقدم للطالب الطريقة مكتملة ليبدأ رحلة الحياة من بعد التخرج بخطى راسخة ويتسنى له تحقيق أحلامه باستقلالية؟

ومقاييس نجاح المشاريع قد تتعدد، هناك مشاريع ناجحة لأنها علامات بارزة (brands) أو تقودها أسماء لامعة، وهناك مشاريع غير معروفة، ولكن تتمركز في قلب محرك الصناعة الذي تخدمه، فيقاس نجاحها بمعدلات أرباحها ونسب نمو رؤوس أموالها، وهناك مشاريع قامت من أجل أهداف معينة ونجحت في تحقيقها من دون أن تحصل على أي نصيب من الشهرة ولا المال، ليكون مقياس نجاحها هو معاييرها الخاصة التي وضعتها لنفسها. والغريب في الأمر هو أن المشاريع الناجحة حينما تنطلق، على الأغلب، لا تملك خرائط مكتملة للطرق الأسرع نحو القمم، ونفقات مشاريع البحث والتطوير المستمرة خير برهان على ذلك.

ومقياس نجاح الإنسان في صناعة ذاته كمهني متمرس، بين يديه الكثير من الفرص للاستكشاف، قد تقاس بجودة مؤهلاته التعليمية وعمر وجودة خبراته العملية وسعة شبكته الاجتماعية التي تسهل من اكتشافه واستقطابه من قبل الأذرع المؤثرة في مجتمعه.

لو نظرنا في تلك المقاييس بتمعن، نجدها تتحدث عن معايير النجاح من زوايا قريبة من الواقع، وتستخدم مقاييس رقمية ووصفية دقيقة المعاني، لا تجيد صناعة الإلهام

ولا تقديمه، ولا تجامل العواطف في قصص إصرار وإرادة، وإنما تقدم النجاح في اختصارات تحمل معاني عالية الكثافة، مملة ومحيرة، وفي نظر المبدعين مقيدة للإبداع.

وقد تصدمك الحقيقة القاسية والتي تأخذ بعين الاعتبار طبيعة الإنسان كمخلوق اجتماعي، وتحصر نجاحه في تعاريف ضيقة، تضع الخصم في موقع الحكم، وتجعل مقياس نجاحه متمثلا في مدى تطابق خطاه مع خطى المتمركزين في منصات القيادة بالمجموعة التي يطمح الانتماء إليها.