إدوارد سعيد في الصدارة من جديد

تفاعل
تفاعل

السبت - 26 مارس 2016

Sat - 26 Mar 2016

في تقرير نشرته الجارديان البريطانية من أسبوع عن أفضل المؤلفات الواقعية في التاريخ الإنساني نبه إليه الدكتور حمزة المزيني في تويتر ولفت انتباهي وانتباه الكثير، حيث نال كتاب «الاستشراق» للفيلسوف الفلسطيني العربي الأمريكي إدوارد سعيد مركز الصدارة في القائمة وكان مركزه الثامن وقد حظي «الاستشراق» باهتمام بالغ منذ صدوره في 1979 باللغة الإنجليزية وترجم إلى لغات عدة، كما واجه حملات تشكيك واسعة بسبب مواقف إدوارد سعيد الفكرية في دعم قضيته الأولى فلسطين، ونظرا لما للفيلسوف من دور كبير في الارتقاء بالمجتمع في عدد من جوانب الحياة فهو من يضع الإطار العام لمستقبل المجتمع من حيث التربية والسياسة والاقتصاد والتوجه العام في سلوك الفرد والجماعة، واضعا الحلول للمشكلات الكبرى التي تعترض الانطلاق والتقدم، لذا تجد المجتمعات المتحضرة تهتم بتاريخها الفلسفي وترعى كل من يقوم بهذا الدور في حاضرها، حتى إنها تشعر بفجوة غياب الفلاسفة في حاضرها وتعتبر ذلك من مراحل الجمود التي يتوقف عندها نمو الوعي والتطور وقلائل هم من وصلوا إلى هذه المرتبة في التاريخ البشري، لكن يبقى دورهم أبد الدهر ولنا في سقراط وأرسطو حتى ابن رشد ووصولا إلى العصر الحديث، مما يؤكد حجم وأثر هؤلاء الفلاسفة الذين أعملوا العقل وتركوا للبشرية إرثا صنعت منه حضاراتها ومدنيتها.

ومن هؤلاء الفلاسفة إدوارد سعيد الذي غادرنا منذ أكثر من أحد عشر عاما بعد مرض خطير أصابه عام 1991 وعاش معه سنوات قبل وفاته، تاركا لنا أكثر من ثلاثين كتابا كان من أهمها «بدايات» والذي صدر قبل «الاستشراق» و»الثقافة الإمبريالية» وكذلك «صور المثقف» وآخرها «خارج المكان» والذي كان يحكي مذكراته من الطفولة حتى قمة نجاحاته في أمريكا التي شهدت نجوميته في أعلى درجاتها.

أذكر أن صديقي الدكتور سعيد السريحي كان أول من دلني منذ أكثر من ربع قرن عليه عندما قال لي يوما: إدوارد سعيد هو من أهم النقاد في مجال العلوم الإنسانية في العالم اليوم وبناء على النصيحة من د. سعيد اكتشفت بعد قليل من البحث أن إدوارد يرأس حينها «جمعية اللغات الحديثة» وهذه درجة تؤكد مدى أهميته وتأثيره ليس في أمريكا فقط ولكن في العالم أجمع بدليل عدد الكتب التي نشرت عنه من كبار الباحثين منها «إدوارد سعيد.. مفارقة الهوية».

ونظرا لما حققه من حضور قوي وخاصة نضاله الفكري في سبيل القضية الفلسطينية فقد تعرض لحملة شرسة من من الصحف والكتاب الصهاينة الذين أطلقوا عليه لقب «بروفيسور الإرهاب».

درس إدوارد سعيد في مدرسة السان جورج بالقدس وعندما أقفلت بعد نكبة 48 بعامين انتقلت الأسرة إلى مصر، حيث درس إدوارد في كلية فيكتوريا وبعدها انتقل إلى نيويورك وانتهى به المطاف أستاذا لكرسي الأدب الإنجليزي والأدب المقارن في جامعة كولومبيا كان خلالها مثالا للإنسان الشغوف بالعلم الباحث عن المعرفة صاحب رسالة وموقف لم يتغير قوي الحجة واضح اللغة وصفه صديقه ورفيق نضاله محمود درويش في قصيدته التي مزجت النثر بالشعر بالكلام المباشر عن الشخص والنفس والكون والصراع، والحفر في مناخات إدوارد سعيد وعنفه وطقسه الصباحي وهو يعد القهوة، ويقرأ صحف الصباح ويرتدي ثيابه الأنيقة، بعد أن يمارس لعبة التنس الأرضي، ويصرخ في الفجر: لا تتلكأ:

نيويورك، نوفمبر، الشارع الخامس

الشمس صحن من المعدن المتطاير

فوضى لغات

زحام على مهرجان القيامة

هاوية كهربائية بعلو السماء

قصائد ويتمان

تمثال حرية لا مبال بزواره

جامعات

مسارح

قداس جاز

متاحف للغد

لا وقت في الوقت

قلت لنفسي الغريبة:

هل هذه بابل، أم سدوم؟

هناك التقيت بإدوارد قبل ثلاثين عاما

وكان الزمان أقل جموحا من الآن

قال كلانا:

إذا كان ماضيك تجربة

فاجعل الغد معنى ورؤيا

لنذهب إلى غدنا واثقين بصدق الخيال

ومعجزة العشب

ويطل صاحب «سرير الغريبة» على الصراع الذي خاضه الراحل إدوارد سعيد ضد ممثلي اللوبي الصهيوني والمحافظين الأمريكيين وسواهم ممن كانوا لا يعيرون أي انتباه للضحية ويصادرون حقها ومستقبلها كان من أجمل ما قرأت له كتابه «المتوازيات والمفارقات» يسرد فيه تجربته في تكوين فرقة موسيقية من أطفال عرب وإسرائيليين عزفت ألحانا للسلام في ألمانيا، حيث المحرقة وفي القدس حيث الحلم بالعودة إلى الديار المغتصبة.