مكاتب المحاماة الأجنبية ووجودها بالمملكة

السبت - 26 مارس 2016

Sat - 26 Mar 2016

شكل انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية نقطة التحول الحقيقي لوجود مكاتب المحاماة الأجنبية فيها، حيث أصبح وجودهم مهما ومرتبطا بتنامي أعمال عملائهم من الشركات العالمية والذين تمكنوا من الدخول إلى السوق السعودي كمستثمرين عبر نافذة الهيئة العامة للاستثمار إلى جانب العملاء المحليين من مختلف القطاعات والذين هم بحاجة لخدمات تلك المكاتب وخبراتها الاستشارية منها بالتحديد، ورغم وجود عدد محدود من مكاتب المحاماة تلك بالمملكة منذ الثمانينيات الميلادية، إلا أن الحضور الموسع لها لم يتعزز إلا بالسنوات العشر الماضية، متخذين في تعاونهم مع مكاتب محاماة محلية منصة يتواجدون من خلالها بالسوق المحلية.

بيد أن تطورا هاما طرأ على آلية تواجد المكاتب الأجنبية بالمملكة قبل ثلاثة أعوام، وذلك عندما قامت وزارة التجارة بقيد إحدى شركات المحاماة الأجنبية كشريك في شركة مهنية مختلطة في سابقة عدت الأولى من نوعها سوف نتطرق لها لاحقا في هذا المقال.

ولتوضيح عمل تلك المكاتب بالمملكة والتي في غالبيتها هي شركات محاماة بريطانية وأمريكية، فإن دورها الرئيسي يتركز بالجانب الاستشاري الخاص بالكيانات القانونية بمختلف أشكالها وما تحتاجه من جوانب تنظيمية وتقارير فحصية ومسائل قانونية تتعلق بالاندماج والاستحواذ والتمويل وخلافه، إضافة إلى الأعمال القانونية المتصلة بالسوق المالية والقطاعات البنكية وصناديق الاستثمار.. الخ، والتي تعد في مجملها حديثة نوعيا على خبرات المحامي السعودي مع وجود بعض الاستثناءات، وذلك استنادا إلى تطور وتوسع مهنة المحاماة بالمملكة من جهة، وحداثة ذلك النوع من الأعمال القانونية المتفرعة من جهة أخرى، ومما لا شك فيه أن تواجد مكاتب المحاماة الأجنبية بالمملكة عن طريق تعاونها مع مكاتب محاماة محلية له أثر إيجابي بالغ ويشكل نقلة نوعية كبيرة تسهم في رفع كفاءة وجودة واحترافية المحامي وقطاع المحاماة بشكل عام شريطة أن يكون تعاونا حقيقيا على كل الأصعدة، وتحديدا المعرفية والعملية منها، لا أن يكون تعاونا شكليا يتحول معه المحامي السعودي بإرادته إلى متستر أو مجرد معقب لتلك المكاتب .

نعود إلى ما ذكرناه من قيام وزارة التجارة بتسجيل إحدى شركات المحاماة الأجنبية كشريك في شركة مهنية مختلطة، وحيث شكل ذلك تطورا للشكل القانوني لتواجد تلك المكاتب بالمملكة، إلا أنه أحدث تضاربا نظاميا، كونه كما يرى البعض جاء بعيدا عن مظلة وزارة العدل وبشكل غير متوافق مع ما نص عليه نظام المحاماة، وتحديدا في مادته الثالثة والتي اشترطت فيمن يزاول مهنة المحاماة أن يكون اسمه مقيدا في جدول المحامين الممارسين مع الاشتراط أن يكون سعوديا. وحيث من الواضح أن وزارة التجارة كانت قد استندت في قرارها تسجيل تلك الشركة إلى نظام الشركات المهنية في مادته الأولى والتي أجازت للمهنيين السعوديين المرخص لهم بمشاركة شركات مهنية أجنبية متخصصة وفق شروط جرى تحديدها في المادة الثانية من اللائحة التنفيذية للنظام، غير أن هذا النظام جاء سابقا لالتزامات المملكة الواردة في اتفاقية منظمة التجارة العالمية والتي وإن أجازت التواجد الأجنبي في مجال الخدمات المهنية التي شملت الاستشارات القانونية وحددت إطاره ونسب المشاركة فيه، إلا أنها قيدته بإلزامية الحصول على تراخيص الاستثمار اللازمة مسبقا من الهيئة العامة للاستثمار لتمكنه من تأسيس شركة مهنية مع طرف سعودي وفق نظام الشركات المهنية، وهذا ما لم يتم تطبيقه من الجهة صاحبة الاختصاص في منح الترخيص (الهيئة العامة للاستثمار) في ظل ما تنص عليه الأنظمة بالوقت الحالي، لا سيما وأن المادة الثامنة عشرة من نظام الاستثمار الأجنبي نصت في نهايتها على إلغاء كل ما يتعارض معه من أحكام، أي في الواقع إلغاء إمكانية تأسيس شركة مهنية وفق المادة الأولى من نظام الشركات المهنية مباشرة مع طرف أجنبي بدون الترخيص له من الجهة المختصة كمستثمر أجنبي.

وفي هذا السياق لا بد من التنويه إلى أن الترخيص لشركات المحاماة الأجنبية لا يحتاج من وجهة نظر البعض إلى ترخيص من وزارة العدل أو موافقتها المسبقة، وهو ما نجده أمرا قابلا للنقاش، لأن وزارة العدل معنية بالترخيص للمحامي السعودي فقط ليتمكن من ممارسة مهنة المحاماة التي عمودها الرئيس هو الترافع أمام عموم المحاكم السعودية، بالإضافة إلى ممارسة الخدمات الشرعية والقانونية الأخرى، في حين أن الترخيص من الهيئة العامة للاستثمار لشركة محاماة أجنبية بتأسيس شركة مهنية من خلال نظام الشركات المهنية مع محامي أو محاميين سعوديين لا يعطي الحق لتلك الشركة الأجنبية أو أي من محاميها الشركاء فيها أو ممثليها الأجانب في الترافع بأي حال من الأحوال أمام المحاكم السعودية، حيث يبقى دورهم المهني مقتصرا على تقديم الاستشارات القانونية فقط .

ما يهم في تلك التجربة هو أنها أدت إلى شروع الجهات المختصة بإعادة دراسة وضع تلك المكاتب وتواجدها بالمملكة ما يتوقع أن يصدر عنه وضع تنظيم جديد لذلك الوجود وأشكاله، حيث إن للوجود الحقيقي لمكاتب المحاماة الأجنبية المرموقة والعريقة بشقيها الاستشاري والاستثماري مزايا عدة على المحامي السعودي والوسط بشكل عام، ولا أعتقد أن وجودها يصنف على أنه تقليل من قيمة المحامي السعودي، بل إن ذلك فيه رفع لكفاءته وجودته وآلية عمله، وهذا من شأنه أن يؤدي بالضرورة إلى رفع وتحسين مستوى هذه المهنة بالمملكة.