دمنهوري يوثق الحياة داخل البيوت المكية القديمة

الخميس - 24 مارس 2016

Thu - 24 Mar 2016

u0645u0646 u0623u062du064au0627u0621 u0645u0643u0629 u0627u0644u0642u062fu064au0645u0629     (u0623u0631u0634u064au0641 u0645u0643u062au0628u0629 u0646u064au0648u064au0648u0631u0643)
من أحياء مكة القديمة (أرشيف مكتبة نيويورك)
نجد أنفسنا من خلال رواية ثمن التضحية لحامد دمنهوري أمام بانوراما متعددة المشاهد والشخصيات والمواقع والأحداث، يظهر فيها ارتباط المؤلف العميق بالزمان والمكان والأفراد في النص، حيث جمع بين الأدب والمشهد التاريخي في اقتران وتكامل لذيذ الأسلوب ممتع في السرد، يوصل القارئ إلى إلف المكان، والزمان وكأنه انتقل إليه.

وبداية من الفصل السادس من فصول الرواية، يقترب الدمنهوري أكثر من عمق البيت المكي، حيث يسرد بعض التفاصيل من صور الحياة داخله، فيبدأه بوصف الشيخ عبدالرحمن تاجر سويقة إذ يقول «كان الشيخ عبدالرحمن يجلس مجلسه الذي اعتاده صباح كل يوم، بعد تناول الإفطار وأمامه قدح الشاي، وقد اتكأ بمرفقه على الوسادة الموضوعة على طرف الخشبة التي يجلس عليها، ولم يبق أمامه سوى زوجته خديجة التي كانت تجلس قبالته، وأمامها صينية الشاي، وبجانبها السموار الذي وضعت عليه إناء الشاي وغطته بغطاء أبيض نظيف».

ووصف بعبارة موجزة الجلسة الصباحية في غالب البيوت المكية، يجلس بها الكبار من أفراد الأسرة بعد عودة ربها من صلاة الفجر وتناول الفطور وخروج الأولاد للمدارس، وجلست سيدة البيت أمام ما يعرف «بنصبة الشاهي» التي تتخذ لها ركنا في أحد المجالس، وتعد من مقتنيات المرأة المكية التي تحيطها بعنايتها، وتعتني بأوانيها ونظافتها، وتعد فيها الشاي على مهل وبإتقان.

كما يصور ضمن المشاهد اليومية في البيوت المكية إرسال «صبي البيت» إلى دكان سيده، ليحضر له ما يحتاج إليه البيت في يومه من خضار أو فواكه، ونلحظ أن الصبي هو الخادم الذي يكون في البيت، ممن لم يبلغ الحلم، وكان يكنى عنه بالصبي استنكافا أن يقال خادم، أو عبد أو غيره.

ثم يصف جلسة الابنة فاطمة أمام الماكينة لخياطة ملابسها، وجلسة الأم لتنظر من خصاص النافذة «الرايح والجي»، فكان هذا الأمر جزءا من تسلية سيدات البيوت كل مساء، ليصور لنا بتلك الجلسة، مشهدا بانوراميا متكررا في ساحات الحارات المكية من خلال العائدين إلى بيوتهم فهذا عم محمد اللبان الذي باع الحليب واللبن، ثم عاد بعلف لماشيته، والشيخ عبدالله محرم الذي يتوكأ على عصاه بعد أن عصرته الأيام وخطه الشيب بنظارته المتهالكة، والعمال الذين يحملون زادهم إلى أهليهم في البيوت والعم يوسف البنا وأولاده الذين رفضوا أن يذهبوا إلى المدارس ليشاركوه عمله في البناء، متضمنا ذلك لنقد هادئ لبعض من عاشوا تلك الأيام ممن رفضوا التغيير ولم يدركوا قيمة العلم وأن المستقبل للمتعلمين.

ونجده يرصع أحداث الرواية ببعض الأعراف أو التقاليد التي اندثر غالبها، فيصف فاطمة «وقد التقطت الوشاح المعلق على المسمار ووضعته على رأسها بعد أن سوت شعرها، وأسرعت إلى باب المجلس تستقبل أباها»، حيث كانت مقابلة حتى المحارم تستعاب دون غطاء الرأس، بل كانت المرأة لا تجلس في البيت وحدها حاسرة الرأس.

ثم يعرج على وصف القلق الذي يعتري الأسرة في انتظار البريد الخارجي ليحمل رسائل الابن المغترب في مصر لدراسة الطب، ذلك البريد الذي يمثل الخيوط الواهنة بينهم وبين غربة الابن، والذي كان من المعتاد أن يصل الاثنين لولا ظروف الحرب، وخطر الغواصات الإيطالية الكامنة في أعماق البحر الأحمر، ويصف كيف يسلي رب الأسرة نفسه عند تأخر الرسائل، ثم لهفته عند استلامها من «البوسطجي» الذي يحمل له أخبار الابن الغائب.

وضمن صراع الأجيال ما بين القديم والحديث نجد الشيخ سالم من أبطال الرواية يتأسف على أدوية العطارين المألوفة «ولى عهد النانخة والأصرافة، وسفة الزنجبيل، والهليلج، وسفة الكمون للمغص، وحل عهد الكالسيوم والأنسولين».

والحقيقة أن ملامح الحياة المكية التي تعرضها الرواية أكثر من أن تحصر، ففي كل صفحة ملمح، من فرح أو حزن أو حياة، مما جعلها حافلة بالتاريخ الحي الناطق، بأسلوب سهل وممتع.

[email protected]

الأكثر قراءة