استحضر حامد دمنهوري في الفصول الثلاثة الأولى من روايته «ثمن التضحية» شخصيات متنوعة، تمثل في مجموعها نسيج المجتمع المكي، كما وصف فيها حياة البيوت المكية، ودون فيها جوانب تاريخية من حياة المكيين، أغفلها المؤرخون.
وعرج على ذكر بعض المواقع ذات الدلالات التاريخية، فنلحظ مثلا أنه حين يذكر سويقة، ومن فيها من التجار، يعطي صفة النخبوية لمن سيرد ذكرهم في الرواية من التجار، فسويقة كانت قلب مكة التجاري، ومخزن الأقمشة، وحاضنة الوكالات التجارية وقنينة العطور، وبنك الصيارفة وأهل العملات، لما تحويه من معروضات متنوعة.
وينتقل بنا دمنهوري في الفصل الرابع إلى فناء معقل التعليم وقبلته في زمنه، بعد أن طاف بنا في الفصول الثلاثة الأولى بين حارات مكة وأسواقها وبيوتها، حيث نجد أنفسنا في فناء مدرسة تحضير البعثات، أول مدرسة حكومية كانت تهيئ الطلاب للدراسات العليا في بعثات منظمة انطلق غالبها إلى مصر.
ويبدأ هذا الفصل بقوله «كان الطلبة في فناء مدرسة تحضير البعثات الثانوية، وتجمعوا على شكل حلقات متفرقة في الفناء الواسع، وتعالى ضجيجهم وهم يتحدثون بأصوات مرتفعة في انتظار صفارة الدخول إلى فصولهم الدراسية».
معرجا بذلك على أحلام الطلاب وآمالهم وطموحاتهم ولهوهم، وهم ينتظرون نهاية العام للخروج في رحلة إلى وادي فاطمة متنزه المكيين، ومقصد الشباب وسلوتهم في الإجازات.
ثم ينتقل إلى وصف زواج أحمد أحد طلاب المدرسة، والذي قرر أن يخطب ابنة عمه على أن يكون زواجه بعد عودته من بعثته الدراسية في مصر، مستهلا ذلك بسرده لتجهيزات الزواج التي شارك فيها أبناء الحارة وزملاء الدراسة.
ويصور من خلال وصفه لعملية التجهيز صورة التكامل بين أفراد المجتمع في المناسبات الاجتماعية، حيث وفد إلى مكان الحفل لتجهيزه عمدة الحارة، والذي يمثل قمتها، ليشرف على استعدادات الحفل، متعمما شاله الصوفي، ممسكا بعصاه الطويلة، موجها تعليماته للشباب في نصب «البرزة» وهي مكان الحفل الذي اختير في إحدى البرحات المجاورة لبيت العريس، والتي تطل عليها بيوت الحارة الأخرى لتشد حوله أعمدة الإنارة. ودكاك الجلوس «الكرويتات» ذات المفارش والمساند، وتصف بجوارها الموائد الحجرية، كل ذلك بهمة أبناء الحارة «الفزيعة».
ويصف دمنهوري الحفل حيث دارت على المعازيم «فناجين» الشاي، على أيدي «المباشرين» من أهل الحارة أيضا، وترددت أصوات «الغطاريف» منبعثة من النساء المدعوات في داخل المنزل، ثم يصف تحية أهل الحارة للمغني أو من يسمى محليا بالجسيس، عندما أخذ طريقه نحو صدر «البرزة» ليبدأ بشدوه، لافتا النظر إلى أن المغني كان لا يغني إلا بتصريح، ويبدو أن ذلك كان نوعا من التنظيمات السائدة في تلك الفترة، حيث يقول «تقدم العمدة إلى المغني، وبيده ورقة التصريح، فتناولها منه ووضعها في جيب معطفه بعد أن اتخذ مجلسه في الصدر».
ليبدأ بعد ذلك أحد الحوارات المتكررة في الأدوار التاريخية المختلفة، وهو الصراع بين القديم والجديد، والمحلي والمستورد، حيث يبدأ هذا الحوار بحنين حسين أحد الزملاء إلى الغناء القديم الذي كاد أن يندثر، واعتراض إبراهيم على ذلك، ونقده لهذا النوع من الموروث، واعتبار أن التطور وعالمية الثقافة تفرض عليه أن يكون من عشاق الغناء الغربي، في حوار طويل، انتهى بتمسك كل منهما برأيه.
ثم ينتقل إلى وصف خروج العريس إلى البرزة بعد أن أطمأنت والدته إلى تكامل هندامه، وانبعثت منه رائحة العود، مصحوبا بصوت الغطاريف حتى وصل إلى صدر البرزة بجانب المأذون أو المملك، الرجل الوقور بلحيته المدببة، وعمامته البيضاء ذات الذؤابة الطويلة، وجُبته البيضاء وتلاوته خطبة النكاح، مختتما ذلك بمباركة المأذون وصوت الغطاريف المنبعث من مجالس البيت الغاصة بالمدعوات من النساء، في صورة بهيجة من صور الأفراح المكية في العقود الماضية.
[email protected]
وعرج على ذكر بعض المواقع ذات الدلالات التاريخية، فنلحظ مثلا أنه حين يذكر سويقة، ومن فيها من التجار، يعطي صفة النخبوية لمن سيرد ذكرهم في الرواية من التجار، فسويقة كانت قلب مكة التجاري، ومخزن الأقمشة، وحاضنة الوكالات التجارية وقنينة العطور، وبنك الصيارفة وأهل العملات، لما تحويه من معروضات متنوعة.
وينتقل بنا دمنهوري في الفصل الرابع إلى فناء معقل التعليم وقبلته في زمنه، بعد أن طاف بنا في الفصول الثلاثة الأولى بين حارات مكة وأسواقها وبيوتها، حيث نجد أنفسنا في فناء مدرسة تحضير البعثات، أول مدرسة حكومية كانت تهيئ الطلاب للدراسات العليا في بعثات منظمة انطلق غالبها إلى مصر.
ويبدأ هذا الفصل بقوله «كان الطلبة في فناء مدرسة تحضير البعثات الثانوية، وتجمعوا على شكل حلقات متفرقة في الفناء الواسع، وتعالى ضجيجهم وهم يتحدثون بأصوات مرتفعة في انتظار صفارة الدخول إلى فصولهم الدراسية».
معرجا بذلك على أحلام الطلاب وآمالهم وطموحاتهم ولهوهم، وهم ينتظرون نهاية العام للخروج في رحلة إلى وادي فاطمة متنزه المكيين، ومقصد الشباب وسلوتهم في الإجازات.
ثم ينتقل إلى وصف زواج أحمد أحد طلاب المدرسة، والذي قرر أن يخطب ابنة عمه على أن يكون زواجه بعد عودته من بعثته الدراسية في مصر، مستهلا ذلك بسرده لتجهيزات الزواج التي شارك فيها أبناء الحارة وزملاء الدراسة.
ويصور من خلال وصفه لعملية التجهيز صورة التكامل بين أفراد المجتمع في المناسبات الاجتماعية، حيث وفد إلى مكان الحفل لتجهيزه عمدة الحارة، والذي يمثل قمتها، ليشرف على استعدادات الحفل، متعمما شاله الصوفي، ممسكا بعصاه الطويلة، موجها تعليماته للشباب في نصب «البرزة» وهي مكان الحفل الذي اختير في إحدى البرحات المجاورة لبيت العريس، والتي تطل عليها بيوت الحارة الأخرى لتشد حوله أعمدة الإنارة. ودكاك الجلوس «الكرويتات» ذات المفارش والمساند، وتصف بجوارها الموائد الحجرية، كل ذلك بهمة أبناء الحارة «الفزيعة».
ويصف دمنهوري الحفل حيث دارت على المعازيم «فناجين» الشاي، على أيدي «المباشرين» من أهل الحارة أيضا، وترددت أصوات «الغطاريف» منبعثة من النساء المدعوات في داخل المنزل، ثم يصف تحية أهل الحارة للمغني أو من يسمى محليا بالجسيس، عندما أخذ طريقه نحو صدر «البرزة» ليبدأ بشدوه، لافتا النظر إلى أن المغني كان لا يغني إلا بتصريح، ويبدو أن ذلك كان نوعا من التنظيمات السائدة في تلك الفترة، حيث يقول «تقدم العمدة إلى المغني، وبيده ورقة التصريح، فتناولها منه ووضعها في جيب معطفه بعد أن اتخذ مجلسه في الصدر».
ليبدأ بعد ذلك أحد الحوارات المتكررة في الأدوار التاريخية المختلفة، وهو الصراع بين القديم والجديد، والمحلي والمستورد، حيث يبدأ هذا الحوار بحنين حسين أحد الزملاء إلى الغناء القديم الذي كاد أن يندثر، واعتراض إبراهيم على ذلك، ونقده لهذا النوع من الموروث، واعتبار أن التطور وعالمية الثقافة تفرض عليه أن يكون من عشاق الغناء الغربي، في حوار طويل، انتهى بتمسك كل منهما برأيه.
ثم ينتقل إلى وصف خروج العريس إلى البرزة بعد أن أطمأنت والدته إلى تكامل هندامه، وانبعثت منه رائحة العود، مصحوبا بصوت الغطاريف حتى وصل إلى صدر البرزة بجانب المأذون أو المملك، الرجل الوقور بلحيته المدببة، وعمامته البيضاء ذات الذؤابة الطويلة، وجُبته البيضاء وتلاوته خطبة النكاح، مختتما ذلك بمباركة المأذون وصوت الغطاريف المنبعث من مجالس البيت الغاصة بالمدعوات من النساء، في صورة بهيجة من صور الأفراح المكية في العقود الماضية.
[email protected]