دمنهوري يوثق أسرار المعلم والتاجر المكي في ثمن التضحية
الأحد - 20 مارس 2016
Sun - 20 Mar 2016
تدور أحداث رواية ثمن التضحية لحامد دمنهوري بين حارات عدة من الحارات المكية خلال فترة الستينات والسبعينات من القرن الرابع عشر الهجري، لذا نجد أنها زخرت بعديد من الملامح التاريخية لمكة المكرمة، سواء التاريخ الاجتماعي أو العلمي أو الثقافي، مما يمكننا من القول إن هذه الرواية بما فيها من ملامح تاريخية تمثل رافدا مهما من الروافد المساندة لدراسة التاريخ المكي، إضافة لقيمتها الأدبية. وذلك بما تضمنته من الصور التراثية والحضارية للمجتمع، ومما زاد الرواية جمالا قدرة المؤلف على عرض مظاهر الحياة المكية في صورتها التي رآها وعاشها، بعد أن تشبعت ذاكرته بدلالاتها ومعانيها، ومحاولته إحياءها من خلال وصفها وتوثيقها، إضافة إلى استرجاعه لبعض أحداث ما قبل هذه الفترة من خلال سرده لبعض الروايات على لسان بعض الشخصيات الأكبر سنا، كخديجة سيدة البيت التي تروي على مسامع من حولها بعض ذكرياتها عن سنين الحرب التي سمتها حرب التُرك، وهي الحرب التي ثار فيها الشريف الحسين بن علي على الحاميات التركية في مكة، وما تبعها من دعاوى لتحرير العرب، حيث تقول «في حرب الترك أكلنا الذرة، ولبسنا الدوت، وشربنا الشاي بالتمر»، وتوافق المصادر التاريخية المكية ما جاء في نص الرواية، حيث تشير إلى أن هذه الفترة كانت من أصعب الفترات التي مرت على أهل مكة من حيث شح المواد الغذائية وانعدام وصولها.
كما وصف المؤلف عددا من الشخصيات التي كان يحتضنها الشارع المكي، فجاءت شخصياته شواهد حية على نماذج متنوعة وثقافات سادت في ذلك العصر، ومن هؤلاء عثمان معلم البناء صاحب الأسرة الكبيرة، ذلك الرجل الكادح، الذي بالكاد يحصل على الرغيف، والذي كان ينتظر أن يشب ابنه ليحمل معه بعض الأعباء التي ناء بها، إلا أن جاره علي أقنعه أن التحاق ابنه بالجامعة، وحصوله على شهادة جامعية أفضل من أن يرث عمل والده، في وقت كان الأبناء غالبا ما يرثون أعمال أهليهم ووظائفهم، كما يرثون منهم لون بشرتهم وملامحهم، فوافق الشيخ عثمان، مضحيا براحته في الشيخوخة، ليكمل ابنه طريقه إلى التعليم الجامعي، ليجني ثمن تضحيته عندما رآه متفوقا في حياته العلمية والوظيفية.
ولعل هذا الجانب أحد أهم الجوانب التي أراد دمنهوري أن يبرزها من خلال روايته، وهي التطور الفكري والعلمي للمجتمع في تلك الفترة، وبداية هجر الأعمال الحرفية والتوجه إلى الدراسة والتعليم، ومزاولة الأعمال التي تعتمد على الشهادات والخبرات العلمية.
ومن الشخصيات المكية في الرواية الشيخ سالم صاحب المحل في سويقة، ذوالصوت الضخم، الذي يتحدث بفمه وحركات يده، والذي كان يهتم بمصالحه الشخصية وتجارته أكثر من أي شيء آخر، ويشارك في شراء الدور مساهما بما يستطيع، أو يشتري بما تحصل عليه من مكسب أرضا أو عقارا جديدا خاصا به.
كما تطرق إلى وصف سلوك التجار وعاداتهم وحواراتهم اليومية أمام الدكاكين، فنجده يتحدث عن الشيخ عبدالرحمن تاجر الأقمشة في إحدى الخانات بسويقة بقوله «كان الشيخ عبدالرحمن قد صعد إلى حانوته بعد أن خلع حذاءه، وناوله الصبي، وخلع بعد ذلك معطفه، وجلس على طرف دكانه، ثم وضع ساعته على صندوق النقود، وما لبث أن فتح دفتر اليومية، وكتب التاريخ بأعلى الصفحة الجديدة، بعد أن بسمل في سره، ثم أغلقه وأعاد وضعه بجانبه»، والمعطف المقصود في النص هو الجُبة المكية، أما صندوق النقود الذي ذكره فهو المعروف محليا (بالباشتختة)، وكانت عبارة عن صندوق بغطاء مائل يضع فيه التجار النقود والأختام، كما يستخدمونه كمكتب صغير، يكتبون عليه جلوسا، ويصور
عبدالرحيم شقيق عبدالرحمن وشريكه في تجارته، صاحب الحديث الطلي والنقاشات الفكاهية مع الزبائن، عارضا بذلك نوعا من أشهر الشراكات التجارية في تلك الفترة، وهي الشركات الأخوية التي تأسست عليها كثير من البيوت التجارية المكية.
ثم يتطرق إلى بعض الأحاديث التي كانت تشغل التجار في ذلك الحين، من إطلاق حرية العقار، ومقدمات هدم شارع المسعى وسويقة، وحيرة التجار إذا ما هدم، ماذا يعلمون وأين يذهبون وهم لا يعرفون غير سوقهم وسويقتهم؟!
[email protected]
كما وصف المؤلف عددا من الشخصيات التي كان يحتضنها الشارع المكي، فجاءت شخصياته شواهد حية على نماذج متنوعة وثقافات سادت في ذلك العصر، ومن هؤلاء عثمان معلم البناء صاحب الأسرة الكبيرة، ذلك الرجل الكادح، الذي بالكاد يحصل على الرغيف، والذي كان ينتظر أن يشب ابنه ليحمل معه بعض الأعباء التي ناء بها، إلا أن جاره علي أقنعه أن التحاق ابنه بالجامعة، وحصوله على شهادة جامعية أفضل من أن يرث عمل والده، في وقت كان الأبناء غالبا ما يرثون أعمال أهليهم ووظائفهم، كما يرثون منهم لون بشرتهم وملامحهم، فوافق الشيخ عثمان، مضحيا براحته في الشيخوخة، ليكمل ابنه طريقه إلى التعليم الجامعي، ليجني ثمن تضحيته عندما رآه متفوقا في حياته العلمية والوظيفية.
ولعل هذا الجانب أحد أهم الجوانب التي أراد دمنهوري أن يبرزها من خلال روايته، وهي التطور الفكري والعلمي للمجتمع في تلك الفترة، وبداية هجر الأعمال الحرفية والتوجه إلى الدراسة والتعليم، ومزاولة الأعمال التي تعتمد على الشهادات والخبرات العلمية.
ومن الشخصيات المكية في الرواية الشيخ سالم صاحب المحل في سويقة، ذوالصوت الضخم، الذي يتحدث بفمه وحركات يده، والذي كان يهتم بمصالحه الشخصية وتجارته أكثر من أي شيء آخر، ويشارك في شراء الدور مساهما بما يستطيع، أو يشتري بما تحصل عليه من مكسب أرضا أو عقارا جديدا خاصا به.
كما تطرق إلى وصف سلوك التجار وعاداتهم وحواراتهم اليومية أمام الدكاكين، فنجده يتحدث عن الشيخ عبدالرحمن تاجر الأقمشة في إحدى الخانات بسويقة بقوله «كان الشيخ عبدالرحمن قد صعد إلى حانوته بعد أن خلع حذاءه، وناوله الصبي، وخلع بعد ذلك معطفه، وجلس على طرف دكانه، ثم وضع ساعته على صندوق النقود، وما لبث أن فتح دفتر اليومية، وكتب التاريخ بأعلى الصفحة الجديدة، بعد أن بسمل في سره، ثم أغلقه وأعاد وضعه بجانبه»، والمعطف المقصود في النص هو الجُبة المكية، أما صندوق النقود الذي ذكره فهو المعروف محليا (بالباشتختة)، وكانت عبارة عن صندوق بغطاء مائل يضع فيه التجار النقود والأختام، كما يستخدمونه كمكتب صغير، يكتبون عليه جلوسا، ويصور
عبدالرحيم شقيق عبدالرحمن وشريكه في تجارته، صاحب الحديث الطلي والنقاشات الفكاهية مع الزبائن، عارضا بذلك نوعا من أشهر الشراكات التجارية في تلك الفترة، وهي الشركات الأخوية التي تأسست عليها كثير من البيوت التجارية المكية.
ثم يتطرق إلى بعض الأحاديث التي كانت تشغل التجار في ذلك الحين، من إطلاق حرية العقار، ومقدمات هدم شارع المسعى وسويقة، وحيرة التجار إذا ما هدم، ماذا يعلمون وأين يذهبون وهم لا يعرفون غير سوقهم وسويقتهم؟!
[email protected]