فرنسا الأفريقية.. الأكف المرتعشة

تفاعل
تفاعل

الجمعة - 18 مارس 2016

Fri - 18 Mar 2016

في حقبة الاستعمار الفرنسي لعديد من دول القارة الأفريقية شمالا ووسطا استطاع المستعمر أن يجعل من هذه الدول كيانات كاملة التبعية من الناحية الثقافية، بالإضافة إلى التماهي السياسي معها في المواقف رفضا وقبولا، ولم تكن هذه التبعية ثمنا من تلك الدول لأثر الاستعمار الإيجابي أو لما خلفه بعد تصفيته شكليا من منجز حضاري وتنموي، حيث إن الاستعمار الفرنسي يعتبر من أشد أنواع الاستعمار استغلالا وتضييقا، وهو من جهة ثانية في تواجده الأفريقي حظي رغم سوئه بحظوة ربما صح التعبير عنها بالمثل القائل (شر البلية ما يضحك) ففي الوقت الذي كانت فرنسا تتجرع كأس المذلة والقهر على يد ألمانيا النازية التي احتلتها. كان الأفارقة وقودا لحرب تحرير فرنسا، حيث تذكر المصادر مشاركة أكثر من نصف مليون أفريقي في تلك الحرب قدموا من بلدان مثل المغرب والجزائر وموريتانيا ومالي والسنغال وغيرها من بقية المستعمرات في مشهد للكوميديا السوداء.

بقيت فرنسا تكافئ شعوب مستعمراتها باستغلالها تارة باتفاقيات نفعية تضمن النفوذ والسيطرة لفرنسا مثل اتفاقيات الدفاع وتارة أخرى بالسيطرة على عقود التنقيب وما يتبعه كل ذلك تحيطه أطر ثقافية فلسفية تجعل من اللغة والثقافة الفرنسية الوعاء الوحيد معرفيا في حالتي التقديم والتلقي، لكن هل ما غرسته فرنسا في ستينات القرن الماضي

لا زال قائما باقيا على حاله؟ الحقيقة أن التواجد الفرنسي في أفريقيا اليوم أشبه ما يكون بغلالة رقيقة تغطي جسدا منهكا غير قابل للإصلاح فضلا عن البقاء.

إن المقاربات المتأخرة لعلاج العديد من الأزمات لدى حلفاء الأمس أفريقيا جعل والتعامل مع الدول على قاعدة التبعية المطلقة الدائمة أدى ضرورة إلى ظهور فاعلين في الساحة لم يكن لهم ذكر بالأمس القريب فإن دولة مثل الصين قد أخذت وبشكل تراكمي ترسخ نفسها كشريك يمكن الوثوق به والاعتماد عليه اقتصاديا، فيما تتربص أمريكا بالمنطقة أمنيا منذ عقود في انتظار سقوط وشيك لفرنسا لن تتردد معه الأخيرة من الهرولة تجاه واشنطن لطلب العون منها، وبالتالي تبسط هي سيطرتها على الحديقة الخلفية للإليزيه دون الحاجة للدخول في مناورات سياسية طويلة ومكلفة، وبما أن البعد الثقافي يعتبر حجر الزاوية في النظرة الفرنسية فإن الثقافة الإنجلوساكسونية بدأت بالتسلل إلى الحياة اليومية في فضاء كنا نعتقد أن الفرانكوفونية قد أغلقت عليها بابها بإحكام.

فلو أخذنا المغرب التي أزورها الآن مثلا، فإننا وقبل عقدين من الزمان لم يكن لغير الفرنسية وجود كلغة أخرى إلى جانب العربية، أما اليوم فإن لغة مثل الإنجليزية أصبحت متداولة على نطاق يتسع بشكل تدريجي ملحوظ، كما غزى نمط الحياة الأمريكية كثيرا من مفاصل الحياة هنا، فمقاهي «ستار بوكس» ومطاعم «ماك دونالد» تلقى رواجا وإقبالا كبيرين.

وإذا ذهبنا أبعد من ذلك فإننا سنجد أن الذائقة الفنية والموسيقية قد أصابها هي أيضا ما أصابها من تغيير

فلا تتعجب أن علمت أن مسلسلا خليجيا مثل من (بين الكناين) يحقق هنا على ضفة الأطلس نسب مشاهدة لا بأس بها، فيما كنا في السابق نجهد أنفسنا في الوصول إلى لغة نستطيع بها التفاهم.

خاتمة: سنظل في ذيل القائمة ما دمنا نعتقد أن الإعجاب بمن في مقدمتها تقدم.