التطرف لدى المتخصصين بالعلوم الشرعية والإنسانية
الأربعاء - 16 مارس 2016
Wed - 16 Mar 2016
كتبت في الأسبوع الماضي مقالا بعنوان (أي التخصصات الجامعية أكثر قابلية للتخصص؟)، وخلصت إلى نتيجة مبنية على دراسات إحصائية أن المنتمين للتخصصات العلمية أكثر قابلية للتطرف، وقد أثارت مقالتي ردودا غاضبة من بعض الدكاترة المنتمين لتخصص علمي، وكانت ردودهم تثبت صحة التنظير في المقال؛ إذ إن غالبهم ردوا بغضب وتهكم، وكان المفترض فهم المقال على أنه وجهة نظر من حقهم تخطئتها والرد عليها، لكن عقليتهم التي اعتادت على المنهج العلمي الصارم غير القابل للخلاف جعلتهم يتعاملون مع المقال وكأني أطرحه على أنه حقيقة لا تقبل الخلاف.
ومن جهة أخرى ظن آخرون أني أبرئ المتخصصين بالعلوم الشرعية والإنسانية من الوقوع بالتطرف، والحق أنه متى وجد المنهج القائم على القطعية المطلقة دائما في كل جزئية، فهو تربة خصبة لتقبل التطرف؛ وهذا يشمل التخصصات الشرعية والإنسانية إذا كانت تطرح بهذا المنهج، كأن تدرس العلوم الشرعية بمنهجية قائمة على تقرير أحكام الدين كلها على أنها قطعية لا يجوز الخلاف فيها، أو أن ما كان منها ظنيا فمساحة الاجتهاد فيه محصورة في ما قرره العلماء السابقون، وأي اجتهاد ينتج عنه رأي جديد -وإن كان خاضعا لمنهجية الاجتهاد- هو ضلال، وأن القول برأي فقهي سبق أن قال به جلة من العلماء المتقدمين لكنه يخالف ما تعارف عليه الناس هو فتح لباب الانحراف عن الدين؛ لأنه يفضي لتتبع الرخص، وسيولة الشريعة، وتقرير أن ما يمثل دراسة الدين من مناهج في ضبط الحديث وروايته، ومناهج استنباط الأحكام، والكتب المؤلفة في تقرير أحكام الدين، وعلماء الدين، كل ذلك من صميم الدين، أو يساوي الدين في القدسية، وكل من خالف في جزئية منها، كأن يخالف في قضايا منهج الاستنباط، أو يكون له رأي مخالف في حديث ما، أو انتقد أحد علماء الدين السابقين أو المعاصرين -ولو كان نقده علميا موضوعيا- فهو قد درج في الضلال والكيد للدين وعلماء الأمة.
هذا المنهج في فهم الدين سينتج لدى دارس الدين من خلاله، ولدى متلقي الدين من الجمهور عقلية تتعامل مع الدين بمقياس صارم يقوم على ثنائية الحق المطلق والضلال المطلق، ولا مجال لديها لتفهم وجود خلاف واسع معتبر في ما هو ظني منه، وسيستقر في ذهنيتها أن أي رأي ديني يخالف المعهود لديها فهو ضلال يجب محاربته، وأن كل من انتقد عالما أو داعية ممن يمثل الدين لديها -مهما كان نقده- هو محارب للدين نفسه، أي أننا أمام عقلية مستسلمة خاضعة لمنهج صارم في تلقي الدين، تعتقد أنها تملك الحق المطلق في كل جزئياته، ولا تمتلك أي روح نقدية تخضع بموجبها للمراجعة والتساؤل والاستعداد لتفهم الخلاف.
هذه العقلية التي تنتج عن ذلك المنهج في تلقي الدين هي أرض خصبة لزراعة بذور التطرف والعنف خاصة في مرحلة الشباب التي غالبا ما تنزع للحدية والصرامة في التعامل مع الأفكار والأحداث والأشخاص، والسبب في قابلية تلك العقلية للنزوع نحو التطرف والعنف هو اتفاقها في بعض من منهجها مع منهج جماعات العنف، فهي تتفق معها في الفهم الحدي للدين القائم على القطعية في كل جزئيات الدين، وعدم تفهم أي خلاف في أحكامه، وتختلف عنها أن جماعات العنف تسير في فهمها الحدي للدين إلى نهاية الشوط، وهو الحكم بالكفر على كل من اختلف معها في تفصيلات قضايا الحاكمية والولاء والبراء، وتنزل أحكام تلك القضايا على الواقع، وما أسهل أن ينتقل الشاب من ذوي العقليات التي سبق شرحها إلى جماعات العنف، فكل ما ينقصه هو اطراد المنهج، إذ إنه يشترك مع جماعات العنف في مقدمات المنهج، وكل ما ينقصه تنبيهه من طالب علم متمكن منتم لجماعات العنف إلى أن منهجه غير مطرد.
[email protected]
ومن جهة أخرى ظن آخرون أني أبرئ المتخصصين بالعلوم الشرعية والإنسانية من الوقوع بالتطرف، والحق أنه متى وجد المنهج القائم على القطعية المطلقة دائما في كل جزئية، فهو تربة خصبة لتقبل التطرف؛ وهذا يشمل التخصصات الشرعية والإنسانية إذا كانت تطرح بهذا المنهج، كأن تدرس العلوم الشرعية بمنهجية قائمة على تقرير أحكام الدين كلها على أنها قطعية لا يجوز الخلاف فيها، أو أن ما كان منها ظنيا فمساحة الاجتهاد فيه محصورة في ما قرره العلماء السابقون، وأي اجتهاد ينتج عنه رأي جديد -وإن كان خاضعا لمنهجية الاجتهاد- هو ضلال، وأن القول برأي فقهي سبق أن قال به جلة من العلماء المتقدمين لكنه يخالف ما تعارف عليه الناس هو فتح لباب الانحراف عن الدين؛ لأنه يفضي لتتبع الرخص، وسيولة الشريعة، وتقرير أن ما يمثل دراسة الدين من مناهج في ضبط الحديث وروايته، ومناهج استنباط الأحكام، والكتب المؤلفة في تقرير أحكام الدين، وعلماء الدين، كل ذلك من صميم الدين، أو يساوي الدين في القدسية، وكل من خالف في جزئية منها، كأن يخالف في قضايا منهج الاستنباط، أو يكون له رأي مخالف في حديث ما، أو انتقد أحد علماء الدين السابقين أو المعاصرين -ولو كان نقده علميا موضوعيا- فهو قد درج في الضلال والكيد للدين وعلماء الأمة.
هذا المنهج في فهم الدين سينتج لدى دارس الدين من خلاله، ولدى متلقي الدين من الجمهور عقلية تتعامل مع الدين بمقياس صارم يقوم على ثنائية الحق المطلق والضلال المطلق، ولا مجال لديها لتفهم وجود خلاف واسع معتبر في ما هو ظني منه، وسيستقر في ذهنيتها أن أي رأي ديني يخالف المعهود لديها فهو ضلال يجب محاربته، وأن كل من انتقد عالما أو داعية ممن يمثل الدين لديها -مهما كان نقده- هو محارب للدين نفسه، أي أننا أمام عقلية مستسلمة خاضعة لمنهج صارم في تلقي الدين، تعتقد أنها تملك الحق المطلق في كل جزئياته، ولا تمتلك أي روح نقدية تخضع بموجبها للمراجعة والتساؤل والاستعداد لتفهم الخلاف.
هذه العقلية التي تنتج عن ذلك المنهج في تلقي الدين هي أرض خصبة لزراعة بذور التطرف والعنف خاصة في مرحلة الشباب التي غالبا ما تنزع للحدية والصرامة في التعامل مع الأفكار والأحداث والأشخاص، والسبب في قابلية تلك العقلية للنزوع نحو التطرف والعنف هو اتفاقها في بعض من منهجها مع منهج جماعات العنف، فهي تتفق معها في الفهم الحدي للدين القائم على القطعية في كل جزئيات الدين، وعدم تفهم أي خلاف في أحكامه، وتختلف عنها أن جماعات العنف تسير في فهمها الحدي للدين إلى نهاية الشوط، وهو الحكم بالكفر على كل من اختلف معها في تفصيلات قضايا الحاكمية والولاء والبراء، وتنزل أحكام تلك القضايا على الواقع، وما أسهل أن ينتقل الشاب من ذوي العقليات التي سبق شرحها إلى جماعات العنف، فكل ما ينقصه هو اطراد المنهج، إذ إنه يشترك مع جماعات العنف في مقدمات المنهج، وكل ما ينقصه تنبيهه من طالب علم متمكن منتم لجماعات العنف إلى أن منهجه غير مطرد.
[email protected]