عبدالغني القش

وظيفة المستشار.. بلا ضابط ولا معيار!

الثلاثاء - 15 مارس 2016

Tue - 15 Mar 2016

تداول مستخدمو برامج الجوال ومواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا مقطعا هو عبارة عن حلقة تم تقديمها في قناة فضائية مع مستشار لأحد الوزراء، وكانت مثارا للتعليقات والتندر، حتى إنه تم إخراج مقاطع تحاكي بعض ما جاء في تلك الحلقة.

والحقيقة أن الطريقة التي كان يتكلم بها المستشار كانت مستهجنة ولم يتعودها المشاهدون، حيث حوت صراخا وجملا غير مفهومة، ويبدو واضحا التأثر بما يجري في إداراتنا من أنظمة يديرها أناس لا يفقهون شيئا (بحسب المستشار)، وغير ذلك من أمور ليس المجال مجال سرد لها.

ويكثر في الوقت الحاضر تعيين المستشارين المتفرغين وغير المتفرغين في قطاعات الدولة المختلفة، فتجدهم محيطين بالمسؤول الأول في الجهاز، ولا شك أن منها ما هو لحاجة، ومنها ما هو تشريف ولمصالح غايتها منفعة البعض.

وأرجو ألا يفهم القارئ أنني ضد فكرة الاستعانة بمستشار؛ فما يحدث من سلبيات هو خطأ في الممارسات وليس في المبدأ، ومن أهم السلبيات أن يعمل ذلك المستشار مباشرة مع المسؤول الأول بمعزل عن فريق العمل، وهو ما يجعل المخالفة الجزئية وربما التضاد التام سمة بارزة لعمل تلك الإدارة.

فمهمة المستشار تعد من بين أكثر المهام تأثيرا، إذ لا يمكن لكبار المسؤولين العمل دون أن الاستعانة بمستشارين في مختلف النواحي الإدارية والقانونية والمالية، ومع الاعتراف بأهمية خبراتهم ورؤيتهم المتخصصة في مجالاتهم إلا أنه بات من الملاحظ زيادة أعدادهم لدى المسؤول الواحد، ما يجعل المرء يتساءل عن مدى حاجة هذا المسؤول أو ذاك لفريقه الاستشاري، وما مدى التطوير والتغيير الذي استفادت منه المنشأة أو القطاع في ظل الاستعانة بكل تلك الخبرات الاستشارية، خاصة أن وظيفة المستشار تحظى دائما بمميزات استثنائية ورواتب عالية جدا!

إن النظر إلى مهام كبار المسؤولين في المنظومة الإدارية في المستويات العليا كالنواب والوكلاء ومديري العموم، والذين يكون من ضمن مهامهم الاستشارة ينفي الحاجة إلى كثرة المستشارين.

ولا شك أن المغالاة بصفة عامة في كل أمر تثير الشبهة بالفساد فهي تعد هدرا للمال، والاستشاريون السعوديون غالبيتهم غير معروفين، ولا توجد حتى هذا اليوم شركات سعودية عملاقة وذات سمعة عالمية تضاهي الشركات الدولية، باستثناء بعض الجامعات والجمعيات العلمية وقليل من الشركات غير السعودية المتخصصة، فيعجز حينها طالب الاستشارة عن الاستدلال على الكفاءات السعودية.

ومن هنا تفتقت أذهان بعض المسؤولين عن فكرة جديدة وهي ما تسمى بـ(اللجان الاستشارية)، هو مسمى جميل له رنين في الأسماع «تماما كما هو حال وظيفة مستشار» لكنه ذو حقيقة محزنة؛ فلا نتاج لها إلا اجتماعات تتلوها لقاءات، وفي النهاية ستوافق تلك اللجان على ما يراه المسؤول الذي شكل كل لجنة أصلا، والحق أن هذه اللجان أصبحت مخيفة للمبدعين والمجتهدين. لذا أدعو وبكل قوة إلى إلغاء هذه اللجان، فقد بات شائعا عند الجميع أن أي قضية يراد لها التضييع أو التمييع فإن السبيل الأوحد لذلك أن يشكل لها لجنة.

إن من المؤسف أن وظيفة المستشار -سواء كان ذلك في الهيئات الحكومية أو الخاصة- لا تدخل ضمن الهرم الإداري، بل هي درجة منفردة بذاتها، كما أن هذه الدرجة لا تخضع لمقاييس العمر، أو درجة التعليم، أو نوع الشهادة التي حصل عليها المرء،و يمكن القول إنها وظيفة حرة.

وهذه الوظيفة تستند على حقيقة هامة مفادها أن رؤية المستشار يجب أن تسبق رؤى كافة منسوبي الإدارة، بحيث يرى ما لا يرونه، ويتوقع المشكلات، ويضع حلها، ويقدم نموذجا استرشاديا للمؤسسة كي تسير عليه، لكن الواقع -مع بالغ الأسف- لا يوحي بذلك.

ومن ناحية أخرى فإن عامل السن لا دخل له في اختيار المستشار، بل ما يحدد اختياره هو تفوقه في مجاله، وحسن سمعته وقدرته على سماع الآخرين، واستيعاب أفكارهم، وقدرته على المناقشة والإقناع، فهل هذا واقع مستشارينا؟

إن الأصل أن يستشار العاقل اللبيب الذي يحسن ما استشير فيه، فلا يستشار من لا يحفظ سرا ولا يستر عيبا، والشخص اللبيب هو من يحسن اختيار من يستشير.

لقد انتشر ذكر هذه الوظيفة لكثرتها -ولا توجد إحصائية دقيقة لعددهم- حتى قال قائلهم «أحسن وظيفة مستشار، قاعد بالدار، لا يشير ولا يستشار».

[email protected]