كرامة الميت وحقوقه.. وجوازات الشميسي

الاثنين - 14 مارس 2016

Mon - 14 Mar 2016

في الوقت الذي يقدس كثير من الشعوب موتاها وتشيعهم إلى مثواهم الأخير بالكثير من الطقوس والخرافات ومظاهر البدع التي لا ترقى إلى المنطقية والتعقل، فإن سماحة الدين الإسلامي تأتي لتعيد توازن الإنسان المسلم بالصبر والاحتساب من هذا الخطب الجلل في فقد غال وعزيز، بالرغم مما يصيبه من الحزن وآلام الفقد، لأنها سنة الحياة؛ موت وفناء بعد حياة.. وتكون مراسم الدفن وفق السنة النبوية الشريفة التي تحفظ كرامة الإنسان، فهو مفضل على سائر المخلوقات الأخرى كما قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (الإسراء الآية 70) ، بل إن الإنسان مفضل حتى على الملائكة الأبرار.

كما أن للأموات مكانة وكرامة في الإسلام لا يجوز تجاوزها، حتى إنه نهى عن الجلوس فوق المقابر لما فيه من إهانة للمسلم، بل إنه عند دخول المقابر يستحب أن يخلع الإنسان نعليه إلا في حالة خاصة مثل اتقاء الشوك أو حرارة الأرض، فالقبور هي دار الموتى واحترامها من إكرامهم.

بل لا يستحب الانصراف عن الميت فور الانتهاء من الدفن للقيام بالاصطفاف وأخذ واجب العزاء من المعزين، بل يفترض أن يبقى أهله وأقاربه عند رأسه ويسألوا الله له الثبات ويستغفروا له مقدار ذبح ناقة وتقسيمها، فهو في موضع تعود إليه الروح ويسأل حتى إنه ليسمع قرع نعالهم.. وهو أشد ما يكون حاجة لأهله وأحبائه في ذلك الموقف العظيم، وكل ذلك من حقوق الميت وحفاظا على كرامته من أن تهدر.

ولكن ما نراه اليوم من تجاوزات اجتماعية لتلك الكرامة يستحق منا وقفات لتصحيح مسار علاقتنا بأمواتنا وأموات المسلمين، فمن التجاوزات على كرامة الميت مثلا: وقت الحوادث المؤلمة للأسف، وتجمهر الناس من باب الفضول والتطفل والذي يُحدث كثيرا من الإرباك لرجال المرور والإسعاف وغيرهم.. هذا فضلا عما يحدثه من الاطلاع على عورات الأموات والمصابين الذين يفترض إما أن يسترهم أو يبتعد عن المكان فورا، ناهيك عمن يقوم بتصويرهم ونشر صورهم في المواقع الالكترونية، وعادة لا يكون التصوير إلا للضرورة القصوى من الشرطة وأمن الطرق لكشف ملابسات الحادث، ولكن بعد ستر الميت كاملا، أما أن يصور الميت كل من هب ودب فذلك تجرؤ على كرامة الإنسان.

وفي موقف إداري آخر نتمنى تداركه من (مركز جوازات الشميسي) - وأشعر أن به مساسا بكرامة الميت - وهو منع دخول سيارات الموتى وإيقافها لأنها تحمل لوحات من (مدينة جدة) وعدم السماح لها بدخول مكة.. وهو أمر يدعو للعجب! فإذا كان الميت هو من أهل مكة وتوفي بجدة ولدى أهله تصريح بدفنه بمقبرة معينة بمكة، فكيف تمنع السيارة من الدخول؟ أليس ذلك إهدارا لكرامة الميت؟! حيث يطالب المركز بإحضار سيارة بلوحة «مكة المكرمة» ثم نقل الميت إلى تلك السيارة!

حقيقة لا ننكر دور مركز جوازات الشميسي الذي يستقبل تدفقات الحجاج القادمة برا وبحرا وجوا وما تكتشفه إدارة المرور من حالات التسلل والدخول لمخالفي الإقامة والعمل، وخاصة دخول الحجاج بدون تصريح في الحج.. وكذلك ضبط الهاربين من القانون بجرائم متنوعة والمتسترين بملابس نسائية وغيرها.. مما يجعل هذا المركز من أكثر المراكز حساسية أمام المجتمع.. وتشكر إدارة المركز عليه.. ولكن أين المرونة في التعامل مع الحالات الخاصة لسيارات الموتى، وأن انتظار ساعة لإحضار سيارة أخرى قد يفوت الصلاة على الميت في وقت الصلاة المحدد! بل ربما يحدث حادث أثناء نقل الميت من سيارة لأخرى ويصاب الميت بكسر في عظمه، وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم (كسر عظم الميت ككسره حيا).

كذلك لا ننكر ما تقوم به الدولة من جهود مباركة لبناء المقابر وتسويرها حماية لها من الدواب وغيرها من أن تنتهك كرامة الميت، وكذلك وضع إدارة لتنظيم الدفن، وهي تقوم بذلك مجانا خدمة لإنسان هذا الوطن من المواطنين والمقيمين.

بقي أن نتمنى من إدارة مرور الشميسي أن تراعي حرمة الموتى وعدم المبالغة في تطبيق أنظمة قد يكون وضعت لحالات خاصة، بل أن تعيد النظر في قراراتها، فمرور سيارة الموتى من جدة إلى مكة لا يعد مخالفة تستدعي التوقيف وتعطيل جنازة إنسان كرمه الله حيا وميتا.