مكانتنا الفكرية: التوجه نحو القيادة أم التبعية

السبت - 12 مارس 2016

Sat - 12 Mar 2016

لعل ما يحدث من تقلبات سريعة في ردود الفعل الدولية وانكسارها حيال السياسة كمثال في منطقة الشرق الأوسط من شأنه أن يخلق جيلا ويكتب تاريخا جديدا يعبر عما يخلفه انكسار الفعل في تعرية الأفكار المشوهة. وذلك إذا ما نهضت همة إحياء الأدب النخبوي ومحاربة أدباء الشنطة وتجار الكلام!

بصوره أقل شمولا، سنجد أن نموذج التعامل الفكري الموروث على الساحة العربية مع الصراعات الفكرية والقائم على امتثال أسلوب النعامة لم يعد في حقبتنا الزمنية مؤخرا ذلك الأسلوب المقنع للحفاظ على البيت العربي من الانهيار. ومنذ حرب تحرير الكويت حتى اللحظة والتحولات في مستوى الكلمة على منصة المتحدث للجماهير تترنح يمينا ويسارا مبتعدة عن إثبات أي تزايد تنويري أو تألق نهضوي ثقافي في مستوى النخبة الأدبية المخلصة أو مشاريعها التي تنأى عن الشبهات مما جعل أدب الكلمة يتوه وإيقاعها يخمد، ومع هذا التيه ظهرت تلك الوجوه المألوفة في خطابات الأحزاب وتكرر ظهورها البارز في المهرجانات وعناوينها المرتبطة بمراحل التحول وفقا لهبوب رياح التغيير على الأحداث التاريخية.

إن عدم وجود قاعدة واسعة من الكتاب النخب والأدباء الصفوة أفقد القارئ الواعي المبتعد عن الاصطفاف في صفوف الجماهير التابعة، الثقة في الكلمة الثقافية التي يرجوها كالأمل الذي يزهر الحياة والتي تعطي تأثيرها السحري في وجدان الحياة وتحولاتها المقلقة في المرحلة المتحولة مؤخرا.

قبل خمس وعشرين سنة ناقشت النخبة الأدبية أثر التحولات المقلقة على الساحة الثقافية، أعتقد أن كلمة الأديب إبراهيم سعفان في مجلة المنتدى لعددها 92 لا تزال سارية المفعول حتى اللحظة، فقد أشار إلى أنه إذا كان الأمن العسكري بعد تحرير الكويت مطلبا ضروريا فإن الأمن الفكري العربي مطلب ضروري لتكامل حلقات الأمن في كل المجالات، وأضاف أن مراجعة سجل الأمة العربية عنوان لمعظم الأحداث الجسيمة الناجمة عن السلبيات في مجال الفكر وقد كان من أهمها: ازدواجية الشخصية العربية نتيجة ازدواجية الفكر العربي ووقوعه تحت سيطرة الفكر «المستورد»، كما أن ظهور الشعارات المزيفة والترويج لها من قبل أدباء الحقيبة أشاع فساد الضمائر وأفسح المجال لشيوع بعض القيم الفاسدة في الساحة الثقافية، فضلا عن أن ذلك أدى إلى تخلي الفكر العربي عن مركز القيادة وصار تابعا مما أفقده رؤيته التنبؤية المستكشفة. على الرغم من أن هذه الملاحظات لم تعالج رغم مرور هذه العقود من الرصد، إلا أن المثير للدهشة أيضا أن الحلول التي وضعها مثقفو مرحلة ما بعد تحرير الكويت لا تزال في انتظار التفعيل، فقد خلصت التوصيات الثقافية إلى ضرورة المحافظة على الشخصية العربية من خلال الاهتمام بالتراث العربي والإسلامي ومن ذلك ما تمت التوصية به في اجتماع المسؤولين بمجلس دول التعاون عام 1996 في أبوظبي من ضرورة تولية الإعلام مسألة أهمية الاهتمام بالتراث العربي والإسلامي واللغة العربية! كما أضيفت لتوصيات أدباء تلك المرحلة مسألة ضرورة إيجاد التواصل الثقافي بين البلاد العربية لإيجاد رؤية فكرية موحدة تجاه القضايا الفكرية المهمة لحسم الخلافات وتسهيل تبادل الإنتاج الثقافي بين البلاد العربية مع إقامة المهرجانات الدورية لتسهيل لقاء الكتاب والأدباء العرب، وأوصوا أيضا بضرورة تنظيف الساحة العربية من الكتاب والأدباء الانتهازيين الذين أشاعوا القيم الفاسدة، وقد ألقي اللوم منذ ذلك الحين على المؤسسات الثقافية والإعلامية!

الطريف في الأمر أنه حتى اليوم لا تزال معوقات نهوض القاعدة النخبوية الثقافية تعزى لذات الأسباب أعلاه، والتي رصدها جيل سابق لجيلنا من مثقفي نخب مرحلة ما بعد الحروب في المنطقة العربية!