جدَّة والحداثة.. من عواد إلى السريحي
الجمعة - 11 مارس 2016
Fri - 11 Mar 2016
أَهمني، ولا أعرف كيف خطر ذلك الخاطر في ذهني، أن اثنين من أبناء مدينة جدة كانا قد دفعا ضريبة الدعوة إلى التجديد والاستنارة، مهما تباعدت الأزمنة وتباينت الأحوال التي تطيف بحياتنا، ومهما اختلفت المنازع والمشارب والتيارات.
كيف اتفق لمدينة جدة أن تدفع بالثقافة الجديدة في البلاد؟ وكيف اتفق لابنيها محمد حسن عواد، في العشر الخامسة من القرن الرابع عشر الهجري، وسعيد السريحي، في أوائل العشرية الأولى من القرن الخامس عشر الهجري – أن يدعوا إلى الجديد؟ وأن يعيش كل منهما مأساة عصفت به وبحياته الفكرية والثقافية، وأن تغلو تلك المأساة وتشتد فتصيبهما في العمل الذي يرتزق به كلاهما؟
دفع الشاب محمد حسن عواد بكتابه «خواطر مصرَّحة» إلى المطبعة عام 1345 (1926)، فثار به المجتمع، وتنادى المحافظون وأصحاب المصالح إلى الفتك به، وقرّ قرارهم على أن يقتل، أو يسجن، أو ينفى، ولكنه لم يقتل ولم يسجن ولم ينف، بيد أنه فقد وظيفته مدرّسا في مدرسة الفلاح بجدّة، وتحوّل كتابه من كتاب في الأدب والفكر والنقد والاجتماع، ليصبح «إنجيل» حركة التجديد في كل البلاد.
توفِّي محمد حسن عواد عام (1400) (1980)، ولم تكد تمضي سنتان على رحيل ذلك الأديب الثائر، ولم يكد القرن الهجري الخامس عشر يسير سيرا وئيدا مطمئنّا – حتى كان شاب من مدينة جدة – مدينة محمد حسن عواد – اسمه سعيد مصلح السريحي، قد احتضن مشعل الاستنارة والتجديد، وشرع، في صمت يشبه صمت النّسّاك، يعيد النظر والتأمل في التراث الشعري والنقدي لأمته، وربما لم يدرك الشاب ذو التسعة والعشرين ربيعا أنه يُقدم على عمل ثوري كبير، حين اتخذ المناهج النقدية الجديدة، كالأسلوبية والبنيوية، وسيلة لدراسة شاعره الأثير أبي تمام، فظفر من جامعة أم القرى، بمكة المكرمة، بدرجة الماجستير عام 1402 (1982)، ثم ما لبث أن دفع برسالته إلى المطبعة، فقرأها الناس في كتاب مطبوع، عام 1404 (1983)، في نادي جدة الأدبي، هذا النادي الذي أنشأه عرّاب الحداثة في البلاد محمد حسن عواد، فكان سعيد السريحي الجُدِّيّ أول من خاض غمار تلك المناهج النقدية الجديدة في الحركة الأدبية والثقافية في المملكة، وكابد تجربة شاقة، يوم كان يشق على جمهرة من الأدباء والمتأدبين تهجِّي تلك الكلمات الحديثة، فتلتوي ألسنتهم بذلك الكلم الغريب من المصطلحات!
كان بإمكان سعيد السريحي أن يكون وارثا لمحمد حسن عواد، حين أنشأ يدرس الشعر القديم برؤية النقد الجديد. كان بإمكانه أن يفعل ذلك، ولا شك أن الحياة الثقافية ستعرف له قدره وما له من سهم في حركة التجديد، ولكن القدر كان يخبِّئ له فوق ما تخيله، كان القدر يخبئ له، بعد أن حاز درجة الماجستير بست سنوات، أن يكرر مأساة محمد حسن عواد – ابن مدينته جدة – بعد وفاته بثمان سنوات، وبعد مأساة كتابه «خواطر مصرَّحة» بثلاث وستين سنة، وكان منح سعيد السريحي درجة الدكتوراه في النقد الأدبي، ثم الائتمار به، فإلغاء درجته العلمية العالية، والإضرار به، والمبالغة في التضييق عليه. كان كل ذلك، وكأنه يؤكد لنا ثلاثة أمور جديرة بالتأمل:
أولها: التشابه العجيب بين محمد حسن عواد عام 1345، وسعيد السريحي عام 1408، وثانيها: أن مدينة جدة – هذه المدينة التي تظهر لنا لاهية ساهية – تقود حركة التجديد والتغيير في البلاد، وثالثها وأهمها: أن هذه المدينة العروس اعتادت أن تدفع بفلذات كبدها ليكونوا قربانا للاستنارة والتجديد والحداثة.
كيف اتفق لمدينة جدة أن تدفع بالثقافة الجديدة في البلاد؟ وكيف اتفق لابنيها محمد حسن عواد، في العشر الخامسة من القرن الرابع عشر الهجري، وسعيد السريحي، في أوائل العشرية الأولى من القرن الخامس عشر الهجري – أن يدعوا إلى الجديد؟ وأن يعيش كل منهما مأساة عصفت به وبحياته الفكرية والثقافية، وأن تغلو تلك المأساة وتشتد فتصيبهما في العمل الذي يرتزق به كلاهما؟
دفع الشاب محمد حسن عواد بكتابه «خواطر مصرَّحة» إلى المطبعة عام 1345 (1926)، فثار به المجتمع، وتنادى المحافظون وأصحاب المصالح إلى الفتك به، وقرّ قرارهم على أن يقتل، أو يسجن، أو ينفى، ولكنه لم يقتل ولم يسجن ولم ينف، بيد أنه فقد وظيفته مدرّسا في مدرسة الفلاح بجدّة، وتحوّل كتابه من كتاب في الأدب والفكر والنقد والاجتماع، ليصبح «إنجيل» حركة التجديد في كل البلاد.
توفِّي محمد حسن عواد عام (1400) (1980)، ولم تكد تمضي سنتان على رحيل ذلك الأديب الثائر، ولم يكد القرن الهجري الخامس عشر يسير سيرا وئيدا مطمئنّا – حتى كان شاب من مدينة جدة – مدينة محمد حسن عواد – اسمه سعيد مصلح السريحي، قد احتضن مشعل الاستنارة والتجديد، وشرع، في صمت يشبه صمت النّسّاك، يعيد النظر والتأمل في التراث الشعري والنقدي لأمته، وربما لم يدرك الشاب ذو التسعة والعشرين ربيعا أنه يُقدم على عمل ثوري كبير، حين اتخذ المناهج النقدية الجديدة، كالأسلوبية والبنيوية، وسيلة لدراسة شاعره الأثير أبي تمام، فظفر من جامعة أم القرى، بمكة المكرمة، بدرجة الماجستير عام 1402 (1982)، ثم ما لبث أن دفع برسالته إلى المطبعة، فقرأها الناس في كتاب مطبوع، عام 1404 (1983)، في نادي جدة الأدبي، هذا النادي الذي أنشأه عرّاب الحداثة في البلاد محمد حسن عواد، فكان سعيد السريحي الجُدِّيّ أول من خاض غمار تلك المناهج النقدية الجديدة في الحركة الأدبية والثقافية في المملكة، وكابد تجربة شاقة، يوم كان يشق على جمهرة من الأدباء والمتأدبين تهجِّي تلك الكلمات الحديثة، فتلتوي ألسنتهم بذلك الكلم الغريب من المصطلحات!
كان بإمكان سعيد السريحي أن يكون وارثا لمحمد حسن عواد، حين أنشأ يدرس الشعر القديم برؤية النقد الجديد. كان بإمكانه أن يفعل ذلك، ولا شك أن الحياة الثقافية ستعرف له قدره وما له من سهم في حركة التجديد، ولكن القدر كان يخبِّئ له فوق ما تخيله، كان القدر يخبئ له، بعد أن حاز درجة الماجستير بست سنوات، أن يكرر مأساة محمد حسن عواد – ابن مدينته جدة – بعد وفاته بثمان سنوات، وبعد مأساة كتابه «خواطر مصرَّحة» بثلاث وستين سنة، وكان منح سعيد السريحي درجة الدكتوراه في النقد الأدبي، ثم الائتمار به، فإلغاء درجته العلمية العالية، والإضرار به، والمبالغة في التضييق عليه. كان كل ذلك، وكأنه يؤكد لنا ثلاثة أمور جديرة بالتأمل:
أولها: التشابه العجيب بين محمد حسن عواد عام 1345، وسعيد السريحي عام 1408، وثانيها: أن مدينة جدة – هذه المدينة التي تظهر لنا لاهية ساهية – تقود حركة التجديد والتغيير في البلاد، وثالثها وأهمها: أن هذه المدينة العروس اعتادت أن تدفع بفلذات كبدها ليكونوا قربانا للاستنارة والتجديد والحداثة.