كيف أعاد سلمان الحزم ترتيب أوراق المنطقة؟

الخميس - 10 مارس 2016

Thu - 10 Mar 2016

قبل عام ونيف دخلت السياسة السعودية على الصعيدين الداخلي والخارجي منعطفا مهما، وتحولت «ديناميكا» من سياسة ناعمة إلى أخرى حازمة، تستبق وتبادر، وتعي تماما ضرورة التئام العرب وتوحدهم على كلمة واحدة.

قرأ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز اللحظة التاريخية بمنتهى الوعي والحكمة، وهو الخبير في التاريخ بشكل مفصل، وقبل ذلك، استشعر وعي شعبه، وإخلاصه، واستعداده لتقديم التضحية، للحفاظ على هذه الأرض، في لحظة تاريخية ملتهبة تشهدها المنطقة.

منذ أول خطاب ألقاه خادم الحرمين الشريفين حين تولى الحكم في البلاد، فهمه شعبه. فهم حينها أنه وشعبه على قلب رجل واحد. هو قلب سلمان بن عبدالعزيز. قبل ذلك عرف عنه معرفته بتفاصيل المجتمع السعودي. يعرف السعوديين أسرة أسرة. وعلى تواصل مع شيوخ القبائل والعشائر. لا يخلو مجلسه من شاك أو طالب أو محب، ويمكن لأي كان مناداته بـ»أبوفهد» دون بروتوكولات أو ما يشبهها.

أفنى الملك سلمان بن عبدالعزيز عمره في التواصل مع شعبه إبان كان أميرا للرياض، التي لها حكاية أخرى مع شخص يعتبر مهندسها. لكن في حالات الحروب، تتجلى النفس وتتبخر مطالبها ورغباتها، ليبقى الوطن حصنا حصينا كما أسسه الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه.

ومن هنا

يجب القول بأن طبيعة المجتمع السعودي بكل الأحوال مجتمع مسالم، ليس باحثا عن حروب أو نزاعات، أو كما قال المغفور له الأمير سعود الفيصل مهندس الدبلوماسية السعودية وعرابها يوما ما «نحن لسنا دعاة حرب، لكن إذا قرعت طبولها فنحن جاهزون لها»، هناك خطوط حمراء إن تم تجاوزها بالنسبة للمواطن وقيادته، فتتحول حالة السلم تلك إلى تضحية، ومن هذا المنطلق بدأت استراتيجية «سلمان الحزم»

كأساس لحكمه.

01

استشعار الخطر

حتما وبالضرورة، كان الملك سلمان مستشعرا للخطر الذي يحاك للمملكة من هنا وهناك، فهم في مطلع فترة حكمه أن خطرا محدقا يتاخم الحدود، وأن مسألة إزالته باتت ضرورة لا ترفا، وذلك عقب أن أحكمت جماعة الحوثي والمخلوع علي عبدالله صالح في اليمن قبضتها على البلاد وأجهزته، وأخذت بالتفرعن، وانقلبت على الشرعية الدولية المتمثلة في حكم عبدربه منصور هادي، فسارعت المملكة مع دول الاعتدال لاستصدار قرار دولي (2216) يحمي تلك الشرعية ويعيد الحق المسلوب من قبضة جماعة إرهابية، إلى أصحابه.

02

تعبئة الفراغ الغربي بالتحالفات الإسلامية

لمست السياسة السعودية بمنتهى الوعي، تراجعا في النفوذ الأمريكي والغربي في المنطقة، الأمر الذي حتم تعبئته، منعا لضياع المنطقة واختراقها من قبل دول مارقة، وعلى رأسها الجمهورية الإيرانية، التي تضمر للخليج على وجه الخصوص العداء الخالص. تمكن خادم الحرمين الشريفين وفي وقت وجيز، من تأسيس تحالف عربي كفل تعبئة فراغ الدبلوماسية المترددة للولايات المتحدة الأمريكية. فهم الملك سلمان أن ذلك التردد في السياسة الأمريكية يجب أن يحول مساره، عبر تأسيس تحالفات لدول لديها القدرة على تحمل مسؤولية أمنها الداخلي وعلى فرض احترام العالم الآخر لها. في أيام وجيزة شكل تحالف عربي من 10 دول لإعادة الشرعية في اليمن. لحق به تحالف إسلامي مكون من 35 دولة كدرع لحماية المنطقة من الأخطار المحدقة المحيطة بها وكفالة أمنها.

03

فلسطين.. القضية التي لا تغيب

وإن لمس الآخرون تغيرا في ديناميكية السياسة السعودية وبشكل جذري، إلا أن القضية الفلسطينية تعد الملف الأهم، إذ لا تكاد تخلو جلسة لمجلس الوزراء السعودي، سواء أدارها خادم الحرمين الشريفين أم ولي عهده، من التذكير بحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقه المسلوب، ورفع الصوت في وجه المجتمع الدولي إبرازا للمعاناة التاريخية الفلسطينية.

04

احتواء الشعب السوري

برزت خلال الأعوام الماضية، ومنذ اندلاع الأزمة السورية في 2011، القضية السورية في أروقة صناعة القرار السعودي.

وعلى رغم التردد أو التذبذب العالمي من الأزمة السورية، بقيت الرياض على موقفها الثابت، المنادي بحق الشعب السوري الجريح في اختيار نظام حكمه بعد أن بلغت أسلحة نظام بشار الأسد أقصى مداها في وجه وصدور الشعب السوري الذي فر من فتيل نار الحرب وشكل حالة من اللجوء الإنساني تكاد تكون هي الأكبر على مر التاريخ.

جمعت المعارضة السورية على طاولة في الرياض، للخروج بحالة من شأنها مواجهة نظام الأسد، وبالتالي تأسيس حياة سياسية جديدة في سوريا من دون أي دور لا للأسد ولا لأركان حكمه. تحملت بذلك المملكة كل تبعات هذا الأمر وذهبت إلى دعم المعارضة السورية وضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة تخرج من طاولة حوار في جنيف. إلا أن تمرد نظام الأسد حال دون الوصول إلى اتفاق يكفل إعادة الحياة لسوريا.

05

ملء فراغ

العراق

واصلت دبلوماسية عهد سلمان الحزم جهودها في إحياء العلاقات الدبلوماسية مع العراق، عبر إعادة السفير السعودي في بغداد بعد 25 عاما من ضمور العلاقة، على الأقل لمواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في العراق على أساس طائفي. وكفل خادم الحرمين الشريفين أخيرا أكثر من 1000 يتيم عراقي، في رسالة لشعب الرافدين تؤكد دور مملكة الإنسانية في رعاية الإنسان قبل كل شيء.

06

دعم الحلول السياسية لدول الربيع العربي

دعمت سياسة الملك سلمان الحلول السياسية في الدول العربية التي عانت من مضاعفات ما سمي بـ»الربيع العربي»، بما فيها الأزمة التونسية واتفاق الصخيرات بشأن التسوية السياسية الليبية، هذا إضافة إلى ضرورة تنشيط علاقات المملكة الثنائية مع تركيا، ودول القارة الأفريقية، ودول وسط وشرق آسيا، إضافة إلى دول أمريكا اللاتينية، في تحول واضح وانفتاح وشفافية عالية في السياسة السعودية الخارجية.

07

لجم إيران ومحاصرة أذنابها

نفد صبر المملكة ودول الخليج عامة على التخبطات الإيرانية في المنطقة، انطلاقا من سعيها لتصدير الثورة الخمينية لدول الجوار، وصولا إلى زرع بذرة حزب الله في لبنان، انتهاء بتغذية جماعة الحوثي المتمردة في اليمن.

وما بين تلك الحالات، استغلالها لأبناء دول الخليج في تنفيذ أعمالها التخريبية في المنطقة، يسبق ذلك احتواؤها أعضاء خطرين في تنظيم القاعدة. وبعد ثبوت أدلة قطعية على الرغبة الإيرانية في تخريب المنطقة، قررت المملكة قطع علاقتها مع طهران، بعد أن تجاوز الأمر حدود المعقول، وهاجم مأجورون من الحرس الثوري الإيراني وقوات الباسيج مقر سفارة المملكة في طهران، وقنصليتها في مشهد، ومنعت سفر مواطنيها لإيران وأوقفت خط الطيران بين الدولتين في خطوة تأديبية للسياسة الإيرانية في منطقة الخليج.

08

تأديب

حزب الله

تكفلت المملكة ودول الخليج بإجراءات تأديبية لحزب الله اللبناني، الذي يسعى لتنفيذ سياسات إيران التوسعية في المنطقة، وتوفير السلاح للمتطرفين، والتغرير بأبناء دول الخليج لتنفيذ أعمال تخريبية في المنطقة، إضافة إلى التوغل في سفك دماء الشعب السوري، والقتال جنبا إلى جنب مع نظام سفاح دمشق. وعطفا على تعطيل انتخاب الرئيس في لبنان بشكل متعمد، وما سبق، أخذت المملكة على عاتقها تصنيف حزب الله بكل مكوناته السياسية والجهات التابعة له على قائمة الإرهاب، في خطوة تهدف لخنق تطرف الحزب وميلشياته، لوضع حد للإرهاب الذي يمثل الحزب أبرز وجوهه في العصر الحديث.

09

ترتيب أوراق المنطقة

بعد كل ما سبق، وفي قراءة للسياسة السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، يتضح كيف كان مهندسا لأوراق المنطقة في لحظة تاريخية في غاية الحساسية، وأعاد في وقت قياسي للصوت العربي قيمته في المحافل الدولية، وبات العالم الآخر يعي أن صوت الاعتدال في الشرق الأوسط يكمن في هذه البلاد، وأن أي تسوية أو ملف سياسي معين لا بد له من المرور بقصر العوجا في رياض السلام، لذلك أحب وفهم سلمان شعبه وبادلوه ذات الحب والفهم.