وزارة الإسكان.. مالئة الدنيا وشاغلة الناس!
الخميس - 03 مارس 2016
Thu - 03 Mar 2016
كان أبوالطيب المتنبي مالئ الدنيا وشاغل الناس في عصره، فقد شغل الناس بشعره وحكمته وبيانه، وحجبت شهرته أكثر من ألف شاعر في عصره، فلم ينالوا من الشهرة ما يستحقون، ونال نصيبا كبيرا من اهتمام النقاد المتقدمين والمتأخرين.
وبين أبوالطيب المتنبي ووزارة الإسكان تشابه كبير، فوزارة الإسكان في عصرنا الحالي مالئة الدنيا وشاغلة المواطنين والكتاب والنقاد والمسؤولين، واستأثرت بنصيب وافر من النقد الاجتماعي والإعلامي، وحجبت بأخبارها وورش عملها التغطية الإعلامية عن باقي الوزارات، لكن أبا الطيب المتنبي ذهب إلى حاله وترك إرثا أدبيا كبيرا، ووزارة الإسكان بقيت، واستفحلت أزمة الإسكان معها، وازدادت تعقيدا.
فالوزارة تعاقب عليها ثلاثة وزراء، كل وزير يأتي برجاله ومستشاريه، ويملؤون الدنيا ضجيجا، ثم يرحلون دون تقديم حلول مقنعة لحل أزمة الإسكان، أو أن يتركوا شيئا جميلا على الواقع نذكرهم به، وهناك إجماع كبير بين الاقتصاديين أن الحلول التي قدمتها وزارة الإسكان، أو تسعى لتقديمها في المستقبل لا تعالج أصل المشكلة؛ ومتى ما بقي أصل المشكلة دون حل، فالجراحات التجميلية قد تحسن الحال لفترة قصيرة وما تلبث أن تعود الحالة بصورة أكبر تعقيدا وأكثر تشوها.
آخر الحلول التي قدمتها الوزارة تتمثل في تخفيض نسبة الدفعة النقدية المقدمة للقروض العقارية لتصبح عند نسبة 15 % بدلا من نسبة 30 % المطبقة، بعد أن قبلت وزارة المالية ضمان نصف الدفعة المقدمة مقابل أن تلتزم البنوك بتمويل ما نسبته 85 % من القيمة الكلية للعقار، وتطبيق القرض المعجل، ورفع نسبة الاستقطاع الشهري إلى ما يصل لنحو 65 %، وهي حلول تتعلق بالتمويل فقط، دون الوصول للب المشكلة، وهو ارتفاع أسعار الأراضي لما فوق القدرة الشرائية للمواطنين.
هذه الحلول غير مجدية اقتصاديا، وقد تدخل البلاد في أزمة في حال تعثر المواطنون عن السداد، فالتساهل في التمويل والرهون العقارية كانا سببا رئيسا في الأزمة المالية في الولايات المتحدة وأوروبا عام 2008، وهي درس مجاني لمن يرغب في الاستفادة، ومن ناحية أخرى، تعني تكبل المواطن بمزيد من الديون، وانخفاض القوة الشرائية للمواطن، في مقابل الانتصار للعقاريين بعد أن دخل الكساد إلى بضاعتهم وسوقهم بما يتناقض مع أبجديات السوق الصحيحة التي تتوقع أن تسهم الحلول العقارية في تراجع الأسعار، لا في ارتفاعها أو المحافظة على المستويات الحالية لها، وهو ما كان ينشده العقاريون ويأملونه، وحذر منه الاقتصاديون، وكان يحذره المواطن، وبعبارة أكثر صراحة، هذه الحلول تعني أن وزارة الإسكان انحازت لصالح العقاريين، دون أن توازن بين مصالح الأطراف كافة، والمخاطر المحتملة لهذه السياسات، وأدخلت مؤسسة النقد معها في المعترك.
من وجهة نظر شخصية، أعتقد أن مؤسسة النقد ارتكبت خطأ كبيرا بالرضوخ لضغوط وزارة الإسكان، فهي ليست جزءا من المشكلة، حتى تكون جزءا في حل قد يخفف الضغوط عن وزارة الإسكان، ويخلق مشاكل كبرى لاقتصاد البلد، ومؤسسة النقد وحدها تعلم أن عدم تضرر المملكة من الأزمة المالية التي حدثت في 2008، يعود أولا لعدم وجود رهون عقارية كبيرة، عكس ما تسعى وتروج له وزارة الإسكان حاليا في إدخال البنوك للسوق العقاري، وتعرضها للقطاع العقاري قد يقود إلى نشوء أزمات مستقبلية.
ولا سيما أن القراءات الاقتصادية تقول إن السياسات الحكومية الرامية لرفع الدعم التدريجي عن الكهرباء والمياه، واقتراب موعد تطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء، مع الانكماش المتوقع في السيولة النقدية جراء تراجع النفط الخام، ستقود حتما إلى تراجع أسعار العقار، مما قد يقود لانكشاف البنوك على القطاع العقاري.
لكنني أعتقد أن البنوك ستكون أكثر تحفظا، ولن تجازف كثيرا في الدخول للقطاع العقاري حتى يتضح لها أثر تلك السياسات لديها، وبذلك سيصبح هذا الحل عقيما، حاله حال القرض الإضافي، ولن يلقى إقبالا كبيرا، وستعود وزارة الإسكان إلى نقطة الصفر، والبحث على حلول أخرى ترضي العقاريين، وستملأ الدنيا ضجيجا، وستشغل الكتاب والنقاد والمواطنين بمتابعة أخبارها.
[email protected]
وبين أبوالطيب المتنبي ووزارة الإسكان تشابه كبير، فوزارة الإسكان في عصرنا الحالي مالئة الدنيا وشاغلة المواطنين والكتاب والنقاد والمسؤولين، واستأثرت بنصيب وافر من النقد الاجتماعي والإعلامي، وحجبت بأخبارها وورش عملها التغطية الإعلامية عن باقي الوزارات، لكن أبا الطيب المتنبي ذهب إلى حاله وترك إرثا أدبيا كبيرا، ووزارة الإسكان بقيت، واستفحلت أزمة الإسكان معها، وازدادت تعقيدا.
فالوزارة تعاقب عليها ثلاثة وزراء، كل وزير يأتي برجاله ومستشاريه، ويملؤون الدنيا ضجيجا، ثم يرحلون دون تقديم حلول مقنعة لحل أزمة الإسكان، أو أن يتركوا شيئا جميلا على الواقع نذكرهم به، وهناك إجماع كبير بين الاقتصاديين أن الحلول التي قدمتها وزارة الإسكان، أو تسعى لتقديمها في المستقبل لا تعالج أصل المشكلة؛ ومتى ما بقي أصل المشكلة دون حل، فالجراحات التجميلية قد تحسن الحال لفترة قصيرة وما تلبث أن تعود الحالة بصورة أكبر تعقيدا وأكثر تشوها.
آخر الحلول التي قدمتها الوزارة تتمثل في تخفيض نسبة الدفعة النقدية المقدمة للقروض العقارية لتصبح عند نسبة 15 % بدلا من نسبة 30 % المطبقة، بعد أن قبلت وزارة المالية ضمان نصف الدفعة المقدمة مقابل أن تلتزم البنوك بتمويل ما نسبته 85 % من القيمة الكلية للعقار، وتطبيق القرض المعجل، ورفع نسبة الاستقطاع الشهري إلى ما يصل لنحو 65 %، وهي حلول تتعلق بالتمويل فقط، دون الوصول للب المشكلة، وهو ارتفاع أسعار الأراضي لما فوق القدرة الشرائية للمواطنين.
هذه الحلول غير مجدية اقتصاديا، وقد تدخل البلاد في أزمة في حال تعثر المواطنون عن السداد، فالتساهل في التمويل والرهون العقارية كانا سببا رئيسا في الأزمة المالية في الولايات المتحدة وأوروبا عام 2008، وهي درس مجاني لمن يرغب في الاستفادة، ومن ناحية أخرى، تعني تكبل المواطن بمزيد من الديون، وانخفاض القوة الشرائية للمواطن، في مقابل الانتصار للعقاريين بعد أن دخل الكساد إلى بضاعتهم وسوقهم بما يتناقض مع أبجديات السوق الصحيحة التي تتوقع أن تسهم الحلول العقارية في تراجع الأسعار، لا في ارتفاعها أو المحافظة على المستويات الحالية لها، وهو ما كان ينشده العقاريون ويأملونه، وحذر منه الاقتصاديون، وكان يحذره المواطن، وبعبارة أكثر صراحة، هذه الحلول تعني أن وزارة الإسكان انحازت لصالح العقاريين، دون أن توازن بين مصالح الأطراف كافة، والمخاطر المحتملة لهذه السياسات، وأدخلت مؤسسة النقد معها في المعترك.
من وجهة نظر شخصية، أعتقد أن مؤسسة النقد ارتكبت خطأ كبيرا بالرضوخ لضغوط وزارة الإسكان، فهي ليست جزءا من المشكلة، حتى تكون جزءا في حل قد يخفف الضغوط عن وزارة الإسكان، ويخلق مشاكل كبرى لاقتصاد البلد، ومؤسسة النقد وحدها تعلم أن عدم تضرر المملكة من الأزمة المالية التي حدثت في 2008، يعود أولا لعدم وجود رهون عقارية كبيرة، عكس ما تسعى وتروج له وزارة الإسكان حاليا في إدخال البنوك للسوق العقاري، وتعرضها للقطاع العقاري قد يقود إلى نشوء أزمات مستقبلية.
ولا سيما أن القراءات الاقتصادية تقول إن السياسات الحكومية الرامية لرفع الدعم التدريجي عن الكهرباء والمياه، واقتراب موعد تطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء، مع الانكماش المتوقع في السيولة النقدية جراء تراجع النفط الخام، ستقود حتما إلى تراجع أسعار العقار، مما قد يقود لانكشاف البنوك على القطاع العقاري.
لكنني أعتقد أن البنوك ستكون أكثر تحفظا، ولن تجازف كثيرا في الدخول للقطاع العقاري حتى يتضح لها أثر تلك السياسات لديها، وبذلك سيصبح هذا الحل عقيما، حاله حال القرض الإضافي، ولن يلقى إقبالا كبيرا، وستعود وزارة الإسكان إلى نقطة الصفر، والبحث على حلول أخرى ترضي العقاريين، وستملأ الدنيا ضجيجا، وستشغل الكتاب والنقاد والمواطنين بمتابعة أخبارها.
[email protected]