الطوارق شعب الله المحتار

تفاعل
تفاعل

الثلاثاء - 01 مارس 2016

Tue - 01 Mar 2016

تحاول بعض التيارات الذهاب بقضايا الطوارق إلى متاهات تجعلها ضبابية الملامح والمطالب، مما يجعل منها ميدانا للاستغلال من الداخل والخارج، ففي الوقت الذي يبني البعض مشاريعه الخاصة على تقديم أطروحات تضمن له الرواج والعائد يقوم آخرون بجعلها حصان طروادة تقضي به على المنافسة.

كثيرا ما يطرح البعض أنه ثمة خيوط لمؤامرة أحكم نسجها ضد الطوارق تمالأ عليها الجميع، فلا يكاد يشذ أحد عن المشاركة فيها.

بينما يميل آخرون إلى ضرورة أن يكون للطوارق كيان سياسي مستقل مقتطع من الدول التي يعيشون فيها ولا بد من قيام ذلك مهما كلف الأمر.

ونظرا لأن الطرح الأول لا يحمل في طياته أي قدر من المنطقية لمناقشته فهو ليس أكثر من كلام عام مشحون بعواطف أثارها شعور متنام من الإهمال والإقصاء، لذا سأتجاوزه إلى موضوع ضرورة إيجاد كيان سياسي مستقل ومدى واقعية هذا الطرح،

وفي محاولة لمعرفة وفهم المرتكز الذي يقوم عليه هذا الطرح فإننا سنجد أن البعد الثقافي هو الأكثر صلابة وتماسكا بين ما يسوقه أصحاب هذا الرأي لضرورة تحصيله، لكن هل البعد الثقافي كاف لمطالب بهذا المستوى؟ ثم هل هناك مشروع ثقافي طارقي له ملامح تحمل الحد الأدنى من الوضوح، وهل للمثقفين الطوارق نوع من الأطر الثقافية المنتظمة التي تقوم بإدارة الشأن الثقافي والنهوض به وتوجيهه؟

الحقيقة أن شيئا من ذلك ليس له وجود، وأن الموجود لا يعدو أن يكون حالة ذهنية جمعية تسعفها جهود فردية متعثرة لا تصمد لتكون نواة لمشروع ثقافي محدود فضلا عن أن تكون مشروع دولة.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أهمية البعد الثقافي في تكون مجتمع قابل لظهور مبادرات تستطيع خوض المعتركات السياسية، حيث إن أغلب الأطر السياسية هي في أصلها مدارس ثقافية فلسفية متحولة.

في غياب مشروع سياسي واضح الملامح يحظى بدعم دولي معلن مدفوع بتوازن المصالح والقوى تحكمه قواعد العمل السياسي، تقوم على هذا المشروع قيادة سياسية تحظى بالحد الأدنى من التأييد والقبول فإن طرحا من هذا النوع لا يعدو أن يكون استجلابا لمزيد من المأساة والتعقيد لملف لا يحتمل المزيد منهما.

لا يعني كل ما تقدم انغلاق الأفق أو استحالة العمل للوصول إلى نتائج تحمل قدرا من الإيجابيات، ولعل من أكثر الوسائل واقعية لذلك هو انخراط الطوارق في بلدانهم في الحياة السياسة من خلال تشكيل بنية ثقافية تكون نواة لكيان سياسي مشارك في السلطة قرارا وتسييرا، وتشكيل ثقل بشري انتخابي يمكن من خلاله المساومة والضغط للحصول تدريجيا على مصالح لم تكن بالأمس يمكن الحديث عنها.

إن دولا مثل مالي والنيجر مهما تحدثنا عن سوء الإدارة السياسية فيهما، إلا أنه يمكن للطوارق الوصول فيهما إلى مناصب رفيعة، وحتى يختلف هذا الوصول عن تجارب سابقة تعتمد في معظمها على التعيين الذي يؤدي غالبا إلى الولاء، لابد من العمل على تكون قواعد شعبية حاضنة كما أسلفت يعتمد عليها السياسي للوصول، كما يمكنها هي الركون إليه عند الحاجة وفق معادلة هي السمة المنظمة لعمل من هذا النوع، وأظن أن أمرا مثل هذا يمكن حدوثه وبدرجة أقل أيضا في دول مثل الجزائر وليبيا، ولا شك أن غياب دور المثقف الطارقي في تشكيل هذا النوع من الفكر هو ما يجعل الطوارق عرضة لثنائية التهميش والاستغلال السياسي.

خاتمة: متى نلقي الأمتعة عن أكتافنا ونستقر؟