أحمد الهلالي

انبعاث الجرب.. من رماد التهميش!!

الاثنين - 29 فبراير 2016

Mon - 29 Feb 2016

حدثنا الكبار عن أعوام الجوع العجيبة، والمهانة التي مروا بها، وعن الأمراض التي كانت تشيع وتفتك بهم وبمواشيهم، ومن ضمنها مرض غريب لم نكن نسمع به في عصرنا الحديث إلا في (الأغنام)، مرض (الجرب) الذي كان يصيب جلود الناس ويدميها بسبب قلة الماء والنظافة والجفاف وتبعاته البكتيرية.

لكن النعمة التي فتحها الله على هذه الأرض، والرعاية الصحية قضت على هذا المرض نهائيا فلم نسمع به إلا حين ظهر فجأة قبل أسبوعين في طالبات بمراكز تتبع لمحافظة الليث، وفي قرية (الجويني) التابعة لمحافظة أضم، ولا أجد في الحقيقة سببا لظهوره الغريب مجددا سوى إهمال الجهات الصحية، ووزارة الزراعة وغيابهما التوعوي عن أبناء القرى والمناطق النائية التي يقل فيها الوعي الصحي غالبا.

إذا علمنا أن الجرب أصاب طالبات في المدارس، فمن المؤكد أنهن نقلن العدوى إلى زميلاتهن، وكذلك إذا علمنا أن جل فقيرات قرية الجويني شبه المجهولات (البدون) عاملات في بعض مدارس المحافظة، فإن الخطر باتساع دائرة العدوى يتسع أكثر وأكثر، وأنا هنا لا تهمني المعالجة، بقدر ما أحزنني غياب الرعاية والوقاية، ففي العصر الذي صار التواصل فيه أكثر مرونة وفاعلية سواء من خلال الطرق المعبدة، أو من خلال وسائل التقنية، زاد غياب الوعي، وتشبث كرسي المسؤول بعموده الفقري حتى أثقله وموظفيه عن مهام الجولات الفاحصة.

أتذكر في طفولتي أن فرقا من وزارة الزراعة كانت تجوس خلال قريتنا لتعقيم الغدران والآبار للقضاء على الملاريا، وفرق أخرى تفحص المواشي وتعالجها، وكذلك ما تزال ذاكرتي تختزن فرق الرعاية الصحية وهم يجوبون القرية باللقاحات والتطعيمات، وتوزيع المطويات والنشرات عن أمراض كثيرة، وسبل الوقاية منها، سواء على المنازل أو في المدارس، لكن أين غابت تلك الحملات، ومن المسؤول عن غيابها، هل يظن مسؤولو الصحة أن الوعي الصحي بلغ مرحلة نضج مطمئنة ألزمتهم مكاتبهم ومراكزهم، وهل اعتمدوا على بحوث ودراسات حول ما بلغه الوعي الصحي؟ وكيف يفسرون ظهور مرض الجرب في منطقة يفترض أنها خالية منه تماما؟!

إننا اليوم في غاية الأسف حين يستمرئ المسؤولون الجلوس في مكاتبهم، ويتخلون عن الجولات الاطمئنانية عن أحوال المواطنين في نطاقات مسؤولياتهم، ففي المقال السابق كنت ألوم المحافظين ورؤساء المراكز، وها هو اللوم يستعيدهم أيضا؛ لأنهم تراخوا في تحريك القطاعات الأخرى إلى القيام بواجباتهم فاستمرؤوا الجلوس مثلهم، ودفع المواطن فاتورة الاستمراء المخيب لآمال التنمية والبناء، فإن كنا نسمع بـ»كورونا» وغيرها من الفيروسات الحديثة للمرة الأولى، فلا أظن (الجرب) يشبهها البتة وقد اختفى ذكره تماما، وحين غرق القوم في نومهم العميق وجدها فرصة سانحة للتمتع بجلود الفقراء.

ممن يجدها أبناء القرى؟ والتهميش يطالهم في كل شيء، سواء في الخدمات التعليمية أو الصحية أو الزراعية أو البلدية أو الخدمية، ولا مسؤول في مناطقهم يحرك ساكنا لتتغير معادلات المركزية والفئوية، ويظلون مغيبين عن كل خطط التنمية، فحتى الطرق التي تمر بقراهم لو كانت لا تخدم المنطقة المركزية فلن يفرحوا بها، كذلك تهرع مكاتب الشؤون الصحية إلى تقليص أعداد كوادرها في المستوصفات القروية بحجة قلة المراجعين، ولو استثمرت تلك الأعداد في الجولات على السكان وتوعيتهم لكان أجدى وأجدر.

ألزمني الأمل بإجراء بحث على موقع (قوقل) لعلي أعثر على اهتمام بالقرى، فبحثت بـ(القرية في التنمية) ولم أجد شيئا إلا عن قرى مصر، ثم بحثت بـ(تنمية القرى) فلم أظفر إلا بمقال في صحيفة عكاظ يشكو الهم مثلي، أما موقع وزارة التخطيط والاقتصاد فما يزال مغلقا، وربما لا يعلم الإخوة ذلك، ومن واجبي تنبيههم لإعادة فتحه للباحثين والقراء.

ومن هنا فإني أدعو كل المسؤولين وصانعي القرار في الدولة والوزارات وإمارات المناطق إلى الالتفات إلى القرى، وإغاثتها عاجلا، فما أعلمه أن خطط الدولة الراهنة تركز على الحد من الهجرة الداخلية، وما يحدث في القرى عكس ذلك تماما، فقد هاجر كثيرون، بسبب غياب التنمية، وازدادت فيها معدلات الجريمة والمخدرات والأمراض، وكل هذا حتما ينعكس على نماء الوطن؛ لأن القرى مكون أساسي لا يقبل التهميش والإهمال.

كما أدعو المثقفين والإعلاميين إلى مناصرة قضايا التنمية في القرى، وكشف القصور في الخدمات والرعاية بكل أنواعها، وتبني مبادرات نشر الوعي بين أبناء القرى صحيا وغذائيا وثقافيا وفكريا، وأرجو من (نزاهة) أن تكثف جهودها في المحافظات والمراكز، من خلال جولات باحثيها في القرى للوقوف الطبيعي على أحوالها وبؤس ساكنيها، ثم البحث عن مسببات القصور الأليم في مكاتب الجهات المسؤولة عن تنمية تلك القرى على امتداد وطن الخير والإسلام، والسلام.

[email protected]