جلس ثلاثة أدباء سعوديين الدكتور معجب الزهراني، والدكتور حامد الربيعي والدكتور أحمد قران، خلف مقود سيارة الأجرة أو السيارة الشخصية، وحاولوا بعملهم في الكدادة الاستقلال بحياتهم، والبحث عن مصدر رزق، مهدت هذه التجربة كما يقولون بكلماتهم جزءا من الطرق التي أوصلتهم لطموحاتهم.
سائق مثقف
«لا أظن لدي قصة كفاح شخصية تستحق أن توصف بالاستثنائية، هناك مصادفات متعاقبة أخذتني وجيلي في رحلة تعلم من القرية إلى المدينة ومن الداخل إلى الخارج. ولأنني ممن يحبون العمل ويحرصون على النجاح فيه كانت الشهادة العليا هي الثمرة الأهم لهذه الرحلة الغريبة نوعا ما بالأمس والعادية تماما اليوم.
لهذا ربما يطرح التساؤل من منظور آخر يعطي للحديث عن الذات بعض الوجاهة، فمنذ أيام الجامعة شعرت بإغراء قوي للخوض في الشأن العام عبر منتوجات ثقافية تنشر في الصحف والمجلات، وهنا بدأت سيرة المثقف الذي
لا يفوضه أحد بقدر ما يسعى هو إلى المشاركة بإبداء الرأي وقول الحقيقة التي عادة ما تغطيها خطابات أخرى بحسب الأطروحة الشهيرة لإدوارد سعيد.
ولا شك لدي الآن في أن الإقامة الطويلة في فرنسا ـ عشر سنوات ـ لعبت الدور الأهم في تنمية معارفي وبلورة أفكاري وتصوراتي ومواقفي، خاصة وأنني ممن يرى أن تجربة التعلم في الغرب أغنى بكثير من مجرد التحصيل الدراسي ونيل الشهادة تلو الأخرى.
فالحياة الثقافية خارج الجامعة ثرية، وعملي المنتظم مراسلا ثقافيا لعدد الصحف والمجلات الوطنية مثل فرصة ثمينة للتعرف على مختلف الأوساط والتيارات والنماذج التي عادة ما تكون جذابة لشاب قضى طفولته وفتوته يتوهم ويصدق أن قريته مركز العالم.
ولا أهمل بعدا آخر ولدته هذه التغريبة الفاتنة وعززته دونما شك، فكنت ولا أزال مؤمنا بأن ممارسة دور المثقف النقدي في مجتمعاتنا يكاد يمثل قدرا يختارنا أكثر مما نختاره، والسبب أن الوعي بالتخلف وإرادة الخلاص منه هو القاسم المشترك بين مثقفي العالم العربي ونظرائهم في كل مكان كما بينه مفكرون مثل عبدالله العروي ومحمد أركون تمثيلا لا حصرا.
أما ماذا قدم كل منا وما مدى تأثيره في المجتمع فالأمر متروك للتاريخ والزمن، الشيء المؤكد فقط هو أن المثقف النقدي يظل أكثر حرية وأقل إحباطا من المثقف الرسالي أو الأيديولوجي وذلك لسبب بسيط هو أن طموحاته أصغر من أوهامه.
ونعم دفعتني الحاجة للجمع بين الوظيفة الحكومية والتاكسي الخاص، ولم تكن مخالفة أو دليل فساد حينها.
وكم كانت التجربة التي خضتها قرابة ثلاث سنوات ثرية بمقياس ذلك الوقت، فالرياض في عقد السبعينات لم تكن تمنح الكثير من فرص التواصل والتعرف على المجتمع من حولك، وبعض الثقافة التي كنت أمتلكها تجعلني أدخل في حوارات كثيرة مع كل من هب ودب وركب، حينها ينفتح باب النقاش ونتبادل البوح فيذهب الحديث حول قضايا محددة أو متفرقة، وأختم المشوار بتقديم شريط احتياطي لمظفر النواب هدية للراكب المشغول مثلنا بهموم الأمة.
وأحيانا تنغلق الأبواب كلها بكلمة أو بصمت، فأكتفي بصوت فيروز أو طلال مداح حتى أتخلص من الحمل الثقيل ولو دون مقابل، طبعا هناك تجارب طريفة أو محرجة كثيرة جدا، ولا يصح البوح بها أو ببعضها إلا في عمل سيرة ذاتية ستنجز ذات يوم.
أما أهم نتائج هذه التجربة ماديا فهي ثمن سيارة المازدا الصفراء التي بعتها قبيل سفري، حيث مكنني من شراء تشكيلة متنوعة من الملابس الإفرنجية، وجهاز تسجيل جيد، فضلا عن توفير بضعة آلاف لأسرتي الكبيرة في قرية الغرباء، ولعلها فرصتي الوحيدة لشكر تلك السيدة الفاضلة التي أوصلتها لوزارة الدفاع وأبدت استعدادها لمساعدتي فيما أريد، فانتظرتها غير واثق من شيء، لكنها عادت لتسلمني ورقة يبدو أنها أعانتني على الخلاص من متوسطة الأبناء والعودة إلى كلية التربية معيدا يراسل الجامعات وينتظر الرحيل بكل حماس».
الأستاذ الدكتور معجب الزهراني - عميد الدراسات الإنسانية بجامعة اليمامة
الرجل الذي هزم الوقت
«عشت بدايات حياتي في قرية من القرى التابعة للطائف ثم انتقلت إلى الطائف، ومنها إلى مكة المكرمة التي كان بها استقراري حتى يومنا هذا.
في مرحة الدراسة الابتدائية وما قبلها رعيت فيها البهم، ثم ترقيتي إلى رعاية الغنم قبل وبعد دخول المدرسة.
وكنت أكتب واجباتي وأحفظ وأذاكر دروسي على ضوء السراج ثم الفانوس الذي مثل لي نقلة نوعية كنت سعيدا بها أيما سعادة، وتعلمت في هذه المرحلة الصبر والحرص والملاحظة واتخاذ القرار، فمع صغر سني كنت أصبح كل يوم وأبدأ اليوم بقرار ألا وهو أين المكان الأنسب اليوم للرعي من الجهات الأربع لأعود في المساء وأنهكني الجوع والعطش، والخوف أحيانا كثيرة، لا أشكو لأحد، فالشكوى كانت ـ في تقديري- لا تليق بالرجل.
وفي مرحلة الدراسة المتوسطة والثانوية وهي المرحلة التي غادرت فيها أمي وأبي وإخوتي إلى الطائف لأسكن مع عدد من أقراني في بيت شعبي بمفردنا دون عائل أو مشرف على شؤوننا.
كنت أرى أسرتي في نهاية العام الدراسي، لعدم تيسر المواصلات التي تمكنني من زيارة الأهل ولو مرة كل شهر.
وكنت في هذه المرحلة وعلى مدى ست سنوات أعتمد على نفسي في كل شيء، نعم في كل شيء وحسب الوسائل المتاحة، بل بالحد الأدنى منها في مختلف شؤون الحياة، وجاءت علي لحظة أحسست فيها بأن من العار أن أكون عالة على والدي مد الله في عمريهما، فقررت أن أعمل وفعلا جمعت بين الدراسة وصباحا والعمل مساء، وفي المواسم أرحل إلى مكة طلبا للعمل، ومن الله علي أن تكون تجربة ناجحة، اكتسبت منها كثيرا من التجارب وتعلمت كثيرا من الدروس ومزيدا من ألوان الصبر على الصعوبات، ورغم الخوف كنت سعيدا في ذلك كله، متوازنا في أدائي في الدراسة متوفقا، وفي تحصيل الرزق بقدر كان يفيض عن حاجتي، ولا أتذكر أنني قد مددت يدي لأحد، بل إنني كنت في ذلك كله أجد متعة لا أجدها في اللهو واللعب، إنها الحياة.
أما في المرحلة الجامعية انتقلت فيها إلى مكة والحنين إلى العمل والكفاح يلازمني، لم تكن طبيعة الدراسة الجامعية ومواعيدها مناسبة لعلم يستمر لساعات من النهار، ولم ألبث أن وجدت البديل المناسب، ألا وهو «التاكسي» فتدبرت مبلغا من المال من الأقارب والأصدقاء اشتريت به سيارة أجرة، أنشغل بالعمل عليها في أوقات الفراغ وبين المحاضرات المتباعدة، وكانت تجربة ثرية جدا تعلمت من خلالها ما لم يكن ليحصل لي لولاها، تجربة مختلفة عن سابقاتها، ومررت فيها بمواقف كثيرة، منها المضحك ومنها المبكي، مما لا يتسع المجال هنا لسرده، ولعل ذلك يسنح لي إذا قدر لي أن أكتب سيرتي الذاتية، التي هي مصدر فخري واعتزازي سابقا وحاضرا ومستقبلا».
الأستاذ الدكتور حامد الربيعي - أستاذ النقد الأدبي والبلاغة بجامعة أم القرى، رئيس أدبي مكة
طالب ونصف سائق تاكسي
«أنا ابن الباحة وأفتخر دائما بأني من أبناء قرية بني هريرة، صارعت أمواج الزمن المر، لم أمتلك إلا الدعاء في مواجهة الحياة والظروف، مارست قيادة التاكسي، وعملت في ورشة للميكانيكا في الإجازات الصيفية، وعشت في ضجيج وجمال جدة وبحرها المجنون، ودرست في مصر حتى نلت الدكتوراه.
حولت سيارتي إلى تاكسي بما يسمى «مشاوير» أتكسب من خلالها ما يسد الرمق، وفجأة غادرت قريتي بني هريرة إلى جدة وأنا في مرحلة الثانوية، تكرر السيناريو حيث حولت سيارتي الخاصة إلى ما يشبه التاكسي لتكون مصدر دخل لأسرتي، هناك تفاصيل تقال وأخرى تختبئ بين تضاريس الحياة.
وكتبت الشعر في مرحلة مبكرة وكان مجرد شغب شعري. لكن كان بوابة للدخول إلى تجربة تنامت مع القراءات المتنوعة.
كنت طالبا ونصف سائق تاكسي ونصف ميكانيكي ولم يقف الطموح عند حد من حدود التعب والإحباطات.
كل مراحلي التعليمية دراستها منتظما مقرونة بعمل متنوع.
الحياة تجربة ثرية ممتعة حينما نعيشها وفق إرادة وطموح حتى وإن امتزج فيها الألم والمعاناة والتعب بالرغبة في الوجود.
بين قوسين من الواقع والحلم كنت أعيش وأنا أحمل الحياة تارة وتحملني تارة أخرى، والأفق مفتون بي وأنا مفتون بالتصاعد فيه حتى سدرة تحقيق الذات وإحالة الحلم إلى واقع أستلذ بإيقاعه دون صخب ممقوت ودون هدوء مميت. بيني وبين ذاتي علاقة لا تحدها مفازات الغربة ولا تؤطرها مناخات التعب».
الدكتور أحمد قران - شاعر وناقد
سائق مثقف
«لا أظن لدي قصة كفاح شخصية تستحق أن توصف بالاستثنائية، هناك مصادفات متعاقبة أخذتني وجيلي في رحلة تعلم من القرية إلى المدينة ومن الداخل إلى الخارج. ولأنني ممن يحبون العمل ويحرصون على النجاح فيه كانت الشهادة العليا هي الثمرة الأهم لهذه الرحلة الغريبة نوعا ما بالأمس والعادية تماما اليوم.
لهذا ربما يطرح التساؤل من منظور آخر يعطي للحديث عن الذات بعض الوجاهة، فمنذ أيام الجامعة شعرت بإغراء قوي للخوض في الشأن العام عبر منتوجات ثقافية تنشر في الصحف والمجلات، وهنا بدأت سيرة المثقف الذي
لا يفوضه أحد بقدر ما يسعى هو إلى المشاركة بإبداء الرأي وقول الحقيقة التي عادة ما تغطيها خطابات أخرى بحسب الأطروحة الشهيرة لإدوارد سعيد.
ولا شك لدي الآن في أن الإقامة الطويلة في فرنسا ـ عشر سنوات ـ لعبت الدور الأهم في تنمية معارفي وبلورة أفكاري وتصوراتي ومواقفي، خاصة وأنني ممن يرى أن تجربة التعلم في الغرب أغنى بكثير من مجرد التحصيل الدراسي ونيل الشهادة تلو الأخرى.
فالحياة الثقافية خارج الجامعة ثرية، وعملي المنتظم مراسلا ثقافيا لعدد الصحف والمجلات الوطنية مثل فرصة ثمينة للتعرف على مختلف الأوساط والتيارات والنماذج التي عادة ما تكون جذابة لشاب قضى طفولته وفتوته يتوهم ويصدق أن قريته مركز العالم.
ولا أهمل بعدا آخر ولدته هذه التغريبة الفاتنة وعززته دونما شك، فكنت ولا أزال مؤمنا بأن ممارسة دور المثقف النقدي في مجتمعاتنا يكاد يمثل قدرا يختارنا أكثر مما نختاره، والسبب أن الوعي بالتخلف وإرادة الخلاص منه هو القاسم المشترك بين مثقفي العالم العربي ونظرائهم في كل مكان كما بينه مفكرون مثل عبدالله العروي ومحمد أركون تمثيلا لا حصرا.
أما ماذا قدم كل منا وما مدى تأثيره في المجتمع فالأمر متروك للتاريخ والزمن، الشيء المؤكد فقط هو أن المثقف النقدي يظل أكثر حرية وأقل إحباطا من المثقف الرسالي أو الأيديولوجي وذلك لسبب بسيط هو أن طموحاته أصغر من أوهامه.
ونعم دفعتني الحاجة للجمع بين الوظيفة الحكومية والتاكسي الخاص، ولم تكن مخالفة أو دليل فساد حينها.
وكم كانت التجربة التي خضتها قرابة ثلاث سنوات ثرية بمقياس ذلك الوقت، فالرياض في عقد السبعينات لم تكن تمنح الكثير من فرص التواصل والتعرف على المجتمع من حولك، وبعض الثقافة التي كنت أمتلكها تجعلني أدخل في حوارات كثيرة مع كل من هب ودب وركب، حينها ينفتح باب النقاش ونتبادل البوح فيذهب الحديث حول قضايا محددة أو متفرقة، وأختم المشوار بتقديم شريط احتياطي لمظفر النواب هدية للراكب المشغول مثلنا بهموم الأمة.
وأحيانا تنغلق الأبواب كلها بكلمة أو بصمت، فأكتفي بصوت فيروز أو طلال مداح حتى أتخلص من الحمل الثقيل ولو دون مقابل، طبعا هناك تجارب طريفة أو محرجة كثيرة جدا، ولا يصح البوح بها أو ببعضها إلا في عمل سيرة ذاتية ستنجز ذات يوم.
أما أهم نتائج هذه التجربة ماديا فهي ثمن سيارة المازدا الصفراء التي بعتها قبيل سفري، حيث مكنني من شراء تشكيلة متنوعة من الملابس الإفرنجية، وجهاز تسجيل جيد، فضلا عن توفير بضعة آلاف لأسرتي الكبيرة في قرية الغرباء، ولعلها فرصتي الوحيدة لشكر تلك السيدة الفاضلة التي أوصلتها لوزارة الدفاع وأبدت استعدادها لمساعدتي فيما أريد، فانتظرتها غير واثق من شيء، لكنها عادت لتسلمني ورقة يبدو أنها أعانتني على الخلاص من متوسطة الأبناء والعودة إلى كلية التربية معيدا يراسل الجامعات وينتظر الرحيل بكل حماس».
الأستاذ الدكتور معجب الزهراني - عميد الدراسات الإنسانية بجامعة اليمامة
الرجل الذي هزم الوقت
«عشت بدايات حياتي في قرية من القرى التابعة للطائف ثم انتقلت إلى الطائف، ومنها إلى مكة المكرمة التي كان بها استقراري حتى يومنا هذا.
في مرحة الدراسة الابتدائية وما قبلها رعيت فيها البهم، ثم ترقيتي إلى رعاية الغنم قبل وبعد دخول المدرسة.
وكنت أكتب واجباتي وأحفظ وأذاكر دروسي على ضوء السراج ثم الفانوس الذي مثل لي نقلة نوعية كنت سعيدا بها أيما سعادة، وتعلمت في هذه المرحلة الصبر والحرص والملاحظة واتخاذ القرار، فمع صغر سني كنت أصبح كل يوم وأبدأ اليوم بقرار ألا وهو أين المكان الأنسب اليوم للرعي من الجهات الأربع لأعود في المساء وأنهكني الجوع والعطش، والخوف أحيانا كثيرة، لا أشكو لأحد، فالشكوى كانت ـ في تقديري- لا تليق بالرجل.
وفي مرحلة الدراسة المتوسطة والثانوية وهي المرحلة التي غادرت فيها أمي وأبي وإخوتي إلى الطائف لأسكن مع عدد من أقراني في بيت شعبي بمفردنا دون عائل أو مشرف على شؤوننا.
كنت أرى أسرتي في نهاية العام الدراسي، لعدم تيسر المواصلات التي تمكنني من زيارة الأهل ولو مرة كل شهر.
وكنت في هذه المرحلة وعلى مدى ست سنوات أعتمد على نفسي في كل شيء، نعم في كل شيء وحسب الوسائل المتاحة، بل بالحد الأدنى منها في مختلف شؤون الحياة، وجاءت علي لحظة أحسست فيها بأن من العار أن أكون عالة على والدي مد الله في عمريهما، فقررت أن أعمل وفعلا جمعت بين الدراسة وصباحا والعمل مساء، وفي المواسم أرحل إلى مكة طلبا للعمل، ومن الله علي أن تكون تجربة ناجحة، اكتسبت منها كثيرا من التجارب وتعلمت كثيرا من الدروس ومزيدا من ألوان الصبر على الصعوبات، ورغم الخوف كنت سعيدا في ذلك كله، متوازنا في أدائي في الدراسة متوفقا، وفي تحصيل الرزق بقدر كان يفيض عن حاجتي، ولا أتذكر أنني قد مددت يدي لأحد، بل إنني كنت في ذلك كله أجد متعة لا أجدها في اللهو واللعب، إنها الحياة.
أما في المرحلة الجامعية انتقلت فيها إلى مكة والحنين إلى العمل والكفاح يلازمني، لم تكن طبيعة الدراسة الجامعية ومواعيدها مناسبة لعلم يستمر لساعات من النهار، ولم ألبث أن وجدت البديل المناسب، ألا وهو «التاكسي» فتدبرت مبلغا من المال من الأقارب والأصدقاء اشتريت به سيارة أجرة، أنشغل بالعمل عليها في أوقات الفراغ وبين المحاضرات المتباعدة، وكانت تجربة ثرية جدا تعلمت من خلالها ما لم يكن ليحصل لي لولاها، تجربة مختلفة عن سابقاتها، ومررت فيها بمواقف كثيرة، منها المضحك ومنها المبكي، مما لا يتسع المجال هنا لسرده، ولعل ذلك يسنح لي إذا قدر لي أن أكتب سيرتي الذاتية، التي هي مصدر فخري واعتزازي سابقا وحاضرا ومستقبلا».
الأستاذ الدكتور حامد الربيعي - أستاذ النقد الأدبي والبلاغة بجامعة أم القرى، رئيس أدبي مكة
طالب ونصف سائق تاكسي
«أنا ابن الباحة وأفتخر دائما بأني من أبناء قرية بني هريرة، صارعت أمواج الزمن المر، لم أمتلك إلا الدعاء في مواجهة الحياة والظروف، مارست قيادة التاكسي، وعملت في ورشة للميكانيكا في الإجازات الصيفية، وعشت في ضجيج وجمال جدة وبحرها المجنون، ودرست في مصر حتى نلت الدكتوراه.
حولت سيارتي إلى تاكسي بما يسمى «مشاوير» أتكسب من خلالها ما يسد الرمق، وفجأة غادرت قريتي بني هريرة إلى جدة وأنا في مرحلة الثانوية، تكرر السيناريو حيث حولت سيارتي الخاصة إلى ما يشبه التاكسي لتكون مصدر دخل لأسرتي، هناك تفاصيل تقال وأخرى تختبئ بين تضاريس الحياة.
وكتبت الشعر في مرحلة مبكرة وكان مجرد شغب شعري. لكن كان بوابة للدخول إلى تجربة تنامت مع القراءات المتنوعة.
كنت طالبا ونصف سائق تاكسي ونصف ميكانيكي ولم يقف الطموح عند حد من حدود التعب والإحباطات.
كل مراحلي التعليمية دراستها منتظما مقرونة بعمل متنوع.
الحياة تجربة ثرية ممتعة حينما نعيشها وفق إرادة وطموح حتى وإن امتزج فيها الألم والمعاناة والتعب بالرغبة في الوجود.
بين قوسين من الواقع والحلم كنت أعيش وأنا أحمل الحياة تارة وتحملني تارة أخرى، والأفق مفتون بي وأنا مفتون بالتصاعد فيه حتى سدرة تحقيق الذات وإحالة الحلم إلى واقع أستلذ بإيقاعه دون صخب ممقوت ودون هدوء مميت. بيني وبين ذاتي علاقة لا تحدها مفازات الغربة ولا تؤطرها مناخات التعب».
الدكتور أحمد قران - شاعر وناقد