الموت إنقاذا
دبس الرمان
دبس الرمان
السبت - 27 فبراير 2016
Sat - 27 Feb 2016
في ظهر أحد الأيام فوجئت برسالة من صديقة عزيزة (يمنية الجنسية ولدت هنا ولوالدها 50 عاما في السعودية)، تسألني أن أدعو لوالدها بالفرج حيث شخص مرضه بغرغرينا في قدمه وقد سارعوا به إلى الطوارئ. سارعت لمكالمتها وسؤالها عن وضع والدها لأصعق بها تخبرني بأن المستشفى الحكومي امتنع عن تحويله للعلاج، تاركا إياه في الطوارئ لثلاثة أيام. ورغم أنه على كفالة ابنته السعودية، وامتلاكه لملف في المستشفى نفسه إلا أن حالته الوظيفية في الإقامة (عامل) والتي أفقدته بناء على التعديل الأخير لأوضاع المقيمين أهلية العلاج في المستشفيات الحكومية.
انطلقت إلى المستشفى على أمل أن أستطيع التفاهم مع الإدارة بطريقة ما. حين وصلت استقبلتني صديقتي عند باب الطوارئ وهي تشكرني بطريقة غير عادية على قدومي وأنا استشعر في حضنها وفي صوتها رجاء صامتا وحاجة للعضد والدعم. قادتني إلى سرير والدها في الطوارئ والذي حين فتحت الستارة لم أستطع تمييز جسده الهزيل والمنكمش تحت الأغطية، لتخبرني صديقتي وقد لاحظت صدمتي بأن والدها أصيب بالاكتئاب من فرط الألم وهو ممتنع منذ نحو شهر عن الطعام والشراب. وأن ما أدى به لهذا الوضع هو أنه قبل أشهر عدة سقط وكسر حوضه وتم تجبيره وعلاجه في نفس المستشفى وعلقوا ساقه رغم علمهم أنه مصاب بالسكري، مما أدى بالتالي إلى جرح في قدمه التهب لاحقا، وحين مراجعته لنفس الطبيب أخبره بأنه لا داعي للقلق.
بعد التواصل مع الأطباء والإدارة المسؤولة اتضح أن الطريقة القانونية الوحيدة للشروع في علاج المريض هي أن يصل لمرحلة تسمى (إنقاذ حياة) والتي في هذه الحالة تعني أن علينا انتظار انتشار الغرغرينا وتدهور حالته حتى نصل لمرحلة الإنعاش القلبي. نظرت للمسؤول بذهول شديد وأنا أقول: (إذن ستنتظرون حتى يصل لمرحلة الموت ثم تحاولون إنقاذه من الموت)! نظر إلي بإحراج وهو يقول: (الحقيقة هي نعم). استطعنا بمساعدة الفريق الطبي الموجود الوصول للطبيب الذي حضر بعد ساعة وأقر بأن الحالة هي (إنقاذ حياة)، وتم إدخال المريض رسميا للمستشفى.
توفي والد صديقتي بعد ذلك بيومين. فقد أدى انتظاره الطويل في الطوارئ إلى مضاعفات أدت إلى دخوله العناية المركزة حال تحويله وبالتالي استحالة إجراء العملية. نعم توفي والدها كامل الجسد وكأن الله أرفق به من أن يستيقظ ليجد أن المكان الذي كان من المفترض أن يحافظ على صحة جسده قد سلبه جزءا منه.
رحل عنا العم محمد، تاركا لنا هذا العالم العجيب لنكمل فيه رحلتنا المحفوفة بالغرائب والعجائب وتاركا لنا سؤالا معلقا يستميت الإجابة (ترى! أهناك ما هو أعظم من حفظ النفس في قانون الأرض وفي تشريعات السماء؟)
[email protected]
انطلقت إلى المستشفى على أمل أن أستطيع التفاهم مع الإدارة بطريقة ما. حين وصلت استقبلتني صديقتي عند باب الطوارئ وهي تشكرني بطريقة غير عادية على قدومي وأنا استشعر في حضنها وفي صوتها رجاء صامتا وحاجة للعضد والدعم. قادتني إلى سرير والدها في الطوارئ والذي حين فتحت الستارة لم أستطع تمييز جسده الهزيل والمنكمش تحت الأغطية، لتخبرني صديقتي وقد لاحظت صدمتي بأن والدها أصيب بالاكتئاب من فرط الألم وهو ممتنع منذ نحو شهر عن الطعام والشراب. وأن ما أدى به لهذا الوضع هو أنه قبل أشهر عدة سقط وكسر حوضه وتم تجبيره وعلاجه في نفس المستشفى وعلقوا ساقه رغم علمهم أنه مصاب بالسكري، مما أدى بالتالي إلى جرح في قدمه التهب لاحقا، وحين مراجعته لنفس الطبيب أخبره بأنه لا داعي للقلق.
بعد التواصل مع الأطباء والإدارة المسؤولة اتضح أن الطريقة القانونية الوحيدة للشروع في علاج المريض هي أن يصل لمرحلة تسمى (إنقاذ حياة) والتي في هذه الحالة تعني أن علينا انتظار انتشار الغرغرينا وتدهور حالته حتى نصل لمرحلة الإنعاش القلبي. نظرت للمسؤول بذهول شديد وأنا أقول: (إذن ستنتظرون حتى يصل لمرحلة الموت ثم تحاولون إنقاذه من الموت)! نظر إلي بإحراج وهو يقول: (الحقيقة هي نعم). استطعنا بمساعدة الفريق الطبي الموجود الوصول للطبيب الذي حضر بعد ساعة وأقر بأن الحالة هي (إنقاذ حياة)، وتم إدخال المريض رسميا للمستشفى.
توفي والد صديقتي بعد ذلك بيومين. فقد أدى انتظاره الطويل في الطوارئ إلى مضاعفات أدت إلى دخوله العناية المركزة حال تحويله وبالتالي استحالة إجراء العملية. نعم توفي والدها كامل الجسد وكأن الله أرفق به من أن يستيقظ ليجد أن المكان الذي كان من المفترض أن يحافظ على صحة جسده قد سلبه جزءا منه.
رحل عنا العم محمد، تاركا لنا هذا العالم العجيب لنكمل فيه رحلتنا المحفوفة بالغرائب والعجائب وتاركا لنا سؤالا معلقا يستميت الإجابة (ترى! أهناك ما هو أعظم من حفظ النفس في قانون الأرض وفي تشريعات السماء؟)
[email protected]