خالد عبدالرحيم المعينا

أبطال سعوديون في الظل

الخميس - 25 فبراير 2016

Thu - 25 Feb 2016

كتبت في هذه الصحيفة الأسبوع الماضي عن أهمية تحديد أولوياتنا وقضايانا الملحة. ولدواعي الاختصار لم أركز بالقدر الكافي على قضايا المرأة والشباب ولهذا سألني بعض القراء الأعزاء عن هذا الأمر فأكدت لهم أنني قد كتبت كثيرا عن المرأة والشباب باللغتين العربية والإنجليزية، لكن رغم ذلك فقد أصبحت هاتان القضيتان من الأهمية بمكان خاصة وبلادنا العزيزة تشهد تحديات كثيرة ومتصاعدة نتيجة للعالم المتغير باستمرار، ونتيجة للتنافس الحاد الذي أصبح سمة العالم وديدنه.

إن التواصل العالمي لم يعد شعارا أجوف، لكنه أصبح حقيقة ماثلة، وأنا هنا لا أتحدث عن وسائل التواصل الاجتماعي أو استخدام الانترنت وغيرها من أدوات إسفيرية، لكنني أقصد القضايا الكبرى التي تواجه العالم بأكمله اليوم مما يؤكد حتمية التواصل والانصهار.

وهذه القضايا الملحة التي تواجه العالم كله تتضمن، على سبيل المثال وليس الحصر، عدم الأمان السياسي والاقتصادي، والغذاء، والخوف الدائم من الحروب وأهوالها، والأمراض والفيروسات وغيرها من مشكلات كانت محصورة في نطاق ضيق لكنها انتشرت الآن انتشار النار في الهشيم.

ويستلزم مواجهة هذه المشكلات، بالضرورة، أن يتنادى كل أفراد المجتمع ويعملوا معا يدا واحدة وبتكاتف كامل للتغلب عليها ودرء أخطارها.

وتستدعي القدرة على المواجهة أن يكون لنا نظام تعليمي متطور لا يركز على الحفظ والإعادة والاجترار، لكن على تنمية التفكير الحر وتعزيز العقل المستنير الذي يتعامل مع الأشياء بمعرفة وإدراك.

ويستلزم بناء القدرة على مجابهة المشكلات والقضايا أن يكون مجتمعنا حرا من سيطرة أي فصيل أو جماعة سواء كانت دينية أو سياسية أو اجتماعية.

ويجب أن تتحرك الأفكار والآراء في هذا المجتمع بحرية وبدون أي حجر أو إقصاء وسط روح من التسامح وقبول الآخر، وفي غياب تام لأي شخص يدعي أنه الوحيد الذي يحمل رخصة الوطنية.

والمجتمعات اللاهوتية الذكورية قد تكون مقبولة في الماضي، ولكنها اليوم ومع التطورات التقنية والمعرفية أصبحت شيئا من الماضي، لكن انتفاء هذا النوع من المجتمعات لا يعني أبدا أن اهتمامنا بتربية النشء سيقل أو يتلاشى أو أن قيمنا الخالدة وتقاليدنا النبيلة ستموت أو ستندثر حيث سنمسك بيد واحدة مقتضيات الحداثة والتمدن وفي الوقت نفسه نعض بالنواجذ على موروثاتنا وأخلاقنا النبيلة وعاداتنا الجميلة.

وسيكون هذا المجتمع الحديث المواكب لتغيرات العصر حرا ومنفتحا تتلاقح فيه الأفكار والرؤى ويشارك الجنسان، الرجل والمرأة، على قدم المساواة في بنائه.

إن إقصاء المرأة، فقط لأنها أنثى، لا يعني استبعاد نصف المجتمع بل المجتمع كله فالمرأة هي التي ولدت مكوناته من النساء والرجال وإقصاؤها في هذه الحالة هو بمثابة الانتحار الاجتماعي.

والغريب في أمر المرأة أن ديننا الإسلامي السمح لم يأمر باستبعادها أو استعبادها بل بتكريمها وحسن التعامل معها.

إن مشاركة الشباب من الجنسين في عملية التنمية جنبا إلى جنب وبيد واحدة سيعزز من تطورنا الاجتماعي، والاقتصادي، والعلمي والثقافي وسيجعلنا نرتاد آفاقا أوسع وأرحب من التقدم والازدهار.

إننا لا يمكن أن نرهن إرادتنا أو نصبح رهائن لمجموعة من الرافضين الذين يعيشون في عالم خيالي لا يمت للواقع بصلة.

وفي عالمٍ يستعد فيه ريتشارد برانسون لتنظيم رحلات سياحية في الفضاء، وبينما طور الآخرون التكنولوجيا وطوعوها لتحقيق التقدم والنماء، نجد أنفسنا عاجزين حتى على مناقشة قضايانا المهمة أو حتى التافهة مما يبدد طاقاتنا ويزيد الفرقة والتشتت في مجتمعنا.

إن الشباب في العالم هم اليوم قادة هذا التغيير الكبير ومتسارع الخطى. شبابنا لا يقل عنهم علما ومعرفة وقوة إرادة لكن بالأسف الشديد لم يجد هذا الشباب العون المطلوب أو الرعاية خاصة من رجال الأعمال والصناعة كما أن الروتين والبيروقراطية دائما يقفان في طريقهم وتزرع أمامهم اليأس والقنوط.

وشخصيا أعرف عددا من الشباب المتميزين الذين لا ينقصهم سوى الدعم والرعاية والذين يشعرون بالأسى والحسرة وهم يرون كل الأبواب قد فتحت لرصفائهم في الدول الأخرى وأغلقت أمامهم هنا.

وزاد من آلامهم وصب الملح على جروحهم الإهمال المستمر من أجهزة الإعلام والصحافة التي لم توفر المساحات الكافية للتعريف بإبداعاتهم ومواهبهم.

ومن هؤلاء المبدعين الشاب محمود صباغ الذي فاز فيلمه «بركة يقابل بركة» بجائزة مهرجان برلين السينمائي، وهو إلى جانب كونه مخرجا سينمائيا فهو أيضا مؤرخ حصيف وباحث متمكن.

ومنهم أيضا الشابة السعودية سفانة دحلان التي دأبت على البحث عن المواهب لنفض الغبار عنها وتسليط الضوء عليها لوجه الله ولوجه الوطن دون أن تنتظر مقابلا ماديا أو شكرا من أحد.

وقد تم اختيار سفانة العام الماضي ضمن أبرز القادة العالميين الشباب وذلك في المنتدى الاقتصادي العالمي. وهي حاصلة على ليسانس في الحقوق وماجستير في القانون، وهي من أوائل المحاميات السعوديات اللاتي حصلن على تصريح لمزاولة المهنة كما أنها كاتبة صحفية وإعلامية.

وهكذا فنحن لا ينقصنا المبدعون ولا نفتقر للمواهب وكل ما نطالب به هو ألاّ تبقى هذه المواهب حبيسة الجدران أو رهينة اليأس والقنوط.

وأقول بكل ثقة إن لنا أبطالا عظاما لكنهم يقبعون في الظل وينتظرون الدعم والرعاية للظهور والانطلاق.

[email protected]