قصّة عصامي قتله الوزير
الثلاثاء - 23 فبراير 2016
Tue - 23 Feb 2016
«كنت أدلل أحلامي على حساب أطفالي، كثيرا ما هربت من المكان الذي أسميه -جدلا- البيت، لأحضن أحلامي وطموحاتي خوفا من أن تتسرب أو يصيبها الفتور، أتيت لهذه الدنيا وقرر القدر أن أكون أنا الذي يحرق المراحل، وكأن الطفولة والمراهقة لا تليقان بي!
بدأت في المرحلة المتوسطة بقراءة قصص العصاميين (وللأمانة كنت -لسذاجتي- أصدقها)، كانت بدايتهم من الصفر تحفزّني، ولهذا قررت أولا أن أصل إلى الصفر!، بعد أن أنهيت المرحلة المتوسطة في قريتي النائية التي أحبها بدأت مأساتي، فأقرب ثانوية لنا تبعد 40 كيلومترا، في الأسبوع الأول كنت أذهب مع أبناء الجيران بسيارتهم للمدرسة، لكن في الأسبوع الثاني قرر والدهم أن ينتقل ويسكن في تلك القرية التي توجد بها مدرسة ثانوية، وكان قرارهم هذا أول وسم بقي على جبين (ابن الأرملة) كما يلقبني أهل القرية، أخبرت أمي، ولم تكن في حاجة لأخبرها عن قراري، لكن في تلك الليلة صدقني لم أبكِ، رغم الحزن كنت أتصنع النكات والمرح كي لا تبكي أمي، في الصباح قررت بهمّة أهل القرى أن أنصهر أكثر بتراب وطني.. للأرض التي أعشقها وتعرفني، ولما رأت أمي همّتي دعمتني بستمائة ريال -كل مدخراتها منذ وفاة والدي- فزرعت مزيدا من الخضراوات وكنت أبيعها للعمالة التي تذهب بها للمدينة، كانوا يعرفون أنهم (زبوني) الوحيد، وكانوا يساومونني على ثمنٍ بخس، وعندما أغضب يتصنعون أنهم لن يشتروا مني، ورغم أنني أدرك أنهم غير جادين إلا أنني أتوسلهم أن يشتروا بالثمن الذي يريدونه.
وبعد مدة ذهبت للمدينة الكبيرة كي أحقق حلمي الأهم (إكمال دراستي بنظام الانتساب) وفعلا تم ذلك، تفهمت والدتي ذلك وتمتمت بدعوات صادقة بالتأكيد لكنها غامضة بالنسبة لي، كنت أذهب في أوقات الامتحانات للمدينة في كل فصل دراسي ورغم أن ذلك يعني أنني سأصرف جميع مدخراتي (على الكدادة والسكن) إلا أنني كنت أجتاز الامتحان بتفوق في كل مرة، ومن ثم أعود إلى القرية وأمي و(الصفر) من جديد، مرت السنون وأنا أركض بين أمي وكتبي والصفر، إلى أن أنهيت دراستي الجامعية، ظننت أن الخطوة القادمة للصفر ستكون البداية الحقيقية، أي لن أعود إليه، وهكذا ظّنت والدتي، أصبحت تحدثني عن ضرورة الزواج،
وعن اشتياقها لرؤية أبنائي (يا الله..تصدّق حتى أنا اشتقت لشقاوتهم!)، لكن رسالة فاجعة أتتني اليوم من زميل كفاح «قلبت حياتي رأسا على عقب»، إذ نقل لي تصريحا لوزير التعليم يقول لخريجي الانتساب: «أنتم لا تصلحون للتعليم»!
وقتها لم أعترض على الحكم الجائر، ولم أتقبله بهدوء كما يفعل العصاميون، لكنني صرخت بوجه زميل الكفاح: من يعيد لي مدخرات والدتي؟».
هذه رسالة من قارئ ختمها برمح استفهام اخترقني، جلست ثلاثة أيام لم أرد على الرسالة، أعاد الإرسال قائلا: أعلم أن الرسالة وصلتك، وأعتذر إن كانت مؤلمة؟
وورطني مرة أخرى بالاستفهام، هل أكذب وأقول: (لا عادي لم تؤلمني) وأختم بـ»أيقونة» باردة مستفزة تبتسم، فمثل هذا الرجل أنبل من أن يشاركك بوحه لتحزن!
[email protected]
بدأت في المرحلة المتوسطة بقراءة قصص العصاميين (وللأمانة كنت -لسذاجتي- أصدقها)، كانت بدايتهم من الصفر تحفزّني، ولهذا قررت أولا أن أصل إلى الصفر!، بعد أن أنهيت المرحلة المتوسطة في قريتي النائية التي أحبها بدأت مأساتي، فأقرب ثانوية لنا تبعد 40 كيلومترا، في الأسبوع الأول كنت أذهب مع أبناء الجيران بسيارتهم للمدرسة، لكن في الأسبوع الثاني قرر والدهم أن ينتقل ويسكن في تلك القرية التي توجد بها مدرسة ثانوية، وكان قرارهم هذا أول وسم بقي على جبين (ابن الأرملة) كما يلقبني أهل القرية، أخبرت أمي، ولم تكن في حاجة لأخبرها عن قراري، لكن في تلك الليلة صدقني لم أبكِ، رغم الحزن كنت أتصنع النكات والمرح كي لا تبكي أمي، في الصباح قررت بهمّة أهل القرى أن أنصهر أكثر بتراب وطني.. للأرض التي أعشقها وتعرفني، ولما رأت أمي همّتي دعمتني بستمائة ريال -كل مدخراتها منذ وفاة والدي- فزرعت مزيدا من الخضراوات وكنت أبيعها للعمالة التي تذهب بها للمدينة، كانوا يعرفون أنهم (زبوني) الوحيد، وكانوا يساومونني على ثمنٍ بخس، وعندما أغضب يتصنعون أنهم لن يشتروا مني، ورغم أنني أدرك أنهم غير جادين إلا أنني أتوسلهم أن يشتروا بالثمن الذي يريدونه.
وبعد مدة ذهبت للمدينة الكبيرة كي أحقق حلمي الأهم (إكمال دراستي بنظام الانتساب) وفعلا تم ذلك، تفهمت والدتي ذلك وتمتمت بدعوات صادقة بالتأكيد لكنها غامضة بالنسبة لي، كنت أذهب في أوقات الامتحانات للمدينة في كل فصل دراسي ورغم أن ذلك يعني أنني سأصرف جميع مدخراتي (على الكدادة والسكن) إلا أنني كنت أجتاز الامتحان بتفوق في كل مرة، ومن ثم أعود إلى القرية وأمي و(الصفر) من جديد، مرت السنون وأنا أركض بين أمي وكتبي والصفر، إلى أن أنهيت دراستي الجامعية، ظننت أن الخطوة القادمة للصفر ستكون البداية الحقيقية، أي لن أعود إليه، وهكذا ظّنت والدتي، أصبحت تحدثني عن ضرورة الزواج،
وعن اشتياقها لرؤية أبنائي (يا الله..تصدّق حتى أنا اشتقت لشقاوتهم!)، لكن رسالة فاجعة أتتني اليوم من زميل كفاح «قلبت حياتي رأسا على عقب»، إذ نقل لي تصريحا لوزير التعليم يقول لخريجي الانتساب: «أنتم لا تصلحون للتعليم»!
وقتها لم أعترض على الحكم الجائر، ولم أتقبله بهدوء كما يفعل العصاميون، لكنني صرخت بوجه زميل الكفاح: من يعيد لي مدخرات والدتي؟».
هذه رسالة من قارئ ختمها برمح استفهام اخترقني، جلست ثلاثة أيام لم أرد على الرسالة، أعاد الإرسال قائلا: أعلم أن الرسالة وصلتك، وأعتذر إن كانت مؤلمة؟
وورطني مرة أخرى بالاستفهام، هل أكذب وأقول: (لا عادي لم تؤلمني) وأختم بـ»أيقونة» باردة مستفزة تبتسم، فمثل هذا الرجل أنبل من أن يشاركك بوحه لتحزن!
[email protected]