عبدالغني القش

شوارعنا.. ورحلة البحث عن الكنز!

الثلاثاء - 23 فبراير 2016

Tue - 23 Feb 2016

كل من يتجول في شوارعنا، يجد العجب العجاب، عمليات متوالية من الحفريات والإغلاقات، فلا تكاد تجد شارعا مستقيما، بل باتت السمة الغالبة هي تلك التشوهات من أعمال الحفريات.

تساءلت لماذا كل هذا العناء وإهدار الجهود، فلم أجد جوابا مقنعا، فتارة تكون الإجابة أنها تتبع للبلدية أو للمياه، وأخرى للكهرباء وثالثة للهاتف والألياف البصرية وأحيانا للصرف الصحي.. وهكذا.

أعدت التساؤل بطريقة أخرى لماذا لا يكون العمل بين الجهات الحكومية قائما على التكامل، بحيث لا يتم الحفر إلا بوجود جميع الجهات، وكل جهة تستفيد من تلك الأعمال بما تحتاجه من مشاريع تخصها؟

فكانت المبررات كسابقتها، فقد أحيلت للاعتمادات المالية، أو للنظام.. وغيرها.

وفي نهاية المشهد يبقى المواطن هو الحلقة الأضعف، ويتحمل فاتورة التبعات والإزعاجات ليل نهار، ويجد نفسه أمام قائمة كبيرة من المعاناة والتحويلات التي لا يكاد يخلو منها شارع.

العجيب في الأمر أن الشارع ربما تعاد سفلتته، وما هي إلا أيام قليلة حتى يفاجأ السكان بأعمال حفر تجعلها تذهب هباء منثورا، فيبدو عليهم علامات التذمر، ويضربون الأخماس في الأسداس، فالهدر كبير ولا توجد جهة يمكن اللجوء إليها لوقفه.

واللافت أنه في الفترة الأخيرة باتت عمليات السفلتة بعد الحفر تشكل علامة تشويه كبرى؛ فهي لا تكون كحالة الأولى، إما علوا أو انخفاضا، وهذا يضر بالمركبات ويسبب لها تلفيات كبيرة، وهنا مطالبة ملحة بالمحاكم المرورية.

والمضحك أن ما يتم ردمه يظل لأيام عدة مكشوفا، بحجة الكشف عن هشاشة الأرض (والمركبات تتضرر) وبعد انتظار طويل تتم السفلتة، وبحال أقل ما يمكن أن توصف به بأنها سيئة، وكأن لسان الحال عاد الكتّان كما كان!

وثمة رسالة كنت أتمنى أن تكون مع التحية للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، لمتابعة تلك الأرقام الفلكية لمشاريع السفلتة، وتعلن الوزارة المعنية أنها بمبالغ هائلة حيث كان من أواخرها توقيع عقود 23 مشروعا لتأهيل الطرق وسفلتتها، لعدد من مناطق ومدن المملكة، بأكثر من مليار وسبعمائة وسبعين مليونا، وفي منطقة أخرى بلغت خمسة مليارات وأربعمائة مليون!

وهذا دفعني لمهاتفة قريب يعمل في مجال السفلتة والطرق، وسألته عن تكلفة المتر الواحد، وكانت المفاجأة أنها تتراوح ما بين 12 إلى 15 ريالا، فقلت له ربما كان بعض الشوارع يحتاج لإصلاحات، فأخبرني أنه لا يمكن أن يزيد عن أربعين ريالا بحال من الأحوال.

وبحسبة بسيطة فإن المليار يغطي آلاف الكيلومترات، مما يجعل دائرة التعجب تكبر وتتسع معها علامات الاندهاش، ويلوح في الأفق عدد من التساؤلات: أين تذهب تلك الأموال، ومن المسؤول عن متابعة تنفيذ تلك العقود، والأهم إلى متى تستمر هذه المهازل، فكل حفرية تتبعها حفرية تتلوها عملية كشط أو ترقيع!.

كم هي مؤلمة تلك المناظر التي تمثل تشويها مشينا، ويبدو أنها مستمرة بلا نهاية، وتجد بجوار كل مشروع لوحة كتب عليها «نعمل من أجلكم ونأسف لإزعاجكم»، والواقع أن الإزعاج وقع، ولسان الحال ليتكم لا تعملون من أجلنا.

وقد سبق المطالبة بمشروع «مشروع احترام المواطن» طالبت فيه بإخطار أهالي الحي أو الشارع بأنه سيتم إجراء مشروع معين لمدة محددة، ولها تاريخ بداية ونهاية؛ فيستعد الأهالي لأنهم على علم وإحاطة بما سيجري، لكن المؤسف أنه لم تتبنه أي جهة من الجهات، على الرغم من أهميته وحيويته، ويشكل أسلوبا حضاريا يتم من خلاله منح الإنسان قيمته ويستوفي جزءا من حقوقه.

إن ما يجري في شوارعنا هو أشبه ما يكون برحلة مضنية للبحث عن أمر ما، فلا يكاد يخلو حي أو طريق من الحفريات والإغلاقات، والعجيب أن ذلك شبه عام في كل مدننا الكبرى، فأنى توجهت فإنك حتما ستواجه العديد من تلك المناظر.

والمؤسف هو غياب أو تغييب دور المرور، وهو الذي سيعاني من الأزمات والازدحامات الخانقة للمركبات، ولا يأتي دوره إلا بعد أن يتم إغلاق الشارع أو تضييقه، بحيث لا يتسع إلا لمركبة واحدة، وهو ما يشكل عبئا ثقيلا عليه.

ويبقى المواطن يشكل الحلقة الأضعف؛ يتجرع المرارة وتعتريه الحسرة وتستمر معه المعاناة، حتى يظن أن هنالك رحلة طويلة وشاقة للبحث عن كنز مفقود، فإلى متى يستمر هذا الوضع؟

[email protected]