عادل حوشان

تدمير الليبرالية أخلاقيا

الاثنين - 22 فبراير 2016

Mon - 22 Feb 2016

في لقاء مع الدكتور تركي الحمد للحديث والإجابة عن ثلاثيته «أطياف الأزقة المهجورة» يسأل الدكتور علي الرباعي «لماذا أخفق المشروع التنويري أمام المشروع الصحوي؟» ويجيب الدكتور الحمد «إن أبرز الأسباب تشويه التنوير ورموزه».

بالعودة إلى مسألة التشويه التي مورست ضد التنوير بصفته مشروعا، وبعيدا عن رموزه التي لا أتفق مع وضعها في الإجابة، بالرغم من جزء من صحتها وما مورس ضدها وضدهم، نجد أن التعبئة تلت الصحوة في فترة الثمانينات وأوائل التسعينات وتزامنت مع حركتين مفصليتين «جهيمان» و«القاعدة»، ومشروع الصحوة لا يمكن بأي حال فصله عن هاتين الحركتين الدمويتين بامتياز.

والذي حدث، وتكرر كثيرا الحديث عنه بتفصيل تاريخي، أنه بدأ بتشويه مشروع التنوير ومعظم الذي حدث تحديدا في أوائل ولادة تيار الصحوة أنه كان يبني مشروعه على مشروع قائم وهو مشروع الحداثة كمفهوم أدبي، حيث برزت أنماط وأشكال من الكتابة الشعرية حديثا واكبها مشروع النقد الأدبي وتم ترميز كتابها وبدأ مشروع تقويضها وهدمها من داخل المشروع الصحوي والمؤسسة الدينية، وكان أول معاول الهدم، كتاب الحداثة في ميزان الإسلام.

من هنا بدأ تسميم المشروع وتسميم مفاهيمه، الحداثة وتلتها العلمانية، ثم الليبرالية.

لو عدنا إلى مشروع التنوير فلن نجد أي مشروع تنويري منذ بداية الثمانينات وربما حتى ما قبل العام 2000 سوى النص الفني الأدبي، أي إن التنوير كمشروع بشري إنساني عقلي نهضوي مدني اجتماعي حضاري مكتمل البنية، لم يتوفر طوال تاريخ صراع الحداثة والصحوة، الذي حصل أن بوادر المعركة الأدبية كان لا بد أن يكون لها مجموعة من الضحايا الذين غالبا ما كانوا من التيار غير المسيطر اجتماعيا، ولا يوجد لديه مفاصل في صناعة قرارات مثلما لدى التيار الصحوي في بعض المؤسسات الدينية وتأثيرها، مشروع التسميم والتشويه حين طال المفاهيم طال أيضا المؤسسات، الإعلام، العمل، بعض المؤسسات شبه الحكومية، الصحف...إلخ. يتم ذلك بصفتها أدوات تخدم ما تم التخطيط لتقويضه وهو مشروع الحداثة الذي تنامى إلى ما بعدها.

وفي كل مرة يظهر مفهوم يتعلق بالحياة المدنية يتولى المشروع الصحوي تدمير هذا المفهوم، بعملية يتم التخطيط لها بإتقان لتعبئة المعنى بالتغريب والفجور والدعارة والخروج عن الملة، الانطلاقة تبدأ من مفهوم «الغرب» اجتماعيا، وبكل ذكاء يتم الاقتصاص من المفهوم بأخذ أسوأ ما يمكن أن يصنع عدوا للمجتمع المحافظ، وهي المنطقة الوسط التي يتفق التياران كلاهما على ضرورة عدم المساس بها على الأقل ظاهريا في هذه المعركة!

الصدمة التي يشكلها تسميم المفاهيم بالأخلاقيات غالبا تكون كافية للطبقة المحافظة للدفاع عن مشروع لا تنتمي له لكنها تتبناه، وهي في الأصل تتبنى عملية التسميم التي قام بها ضد مشروع التنوير بأدوات تدميرية.

يلي ذلك عملية انتقال مفاهيم التنوير بما صاحبها من تعبئة صحوية إلى المؤسسات الحقوقية والعدلية، وهذا أخطر ما في الأمر لأنها السلاح الأقوى والأكثر فتكا، واستطاع المشروع الصحوي فعل ذلك وكان من الممكن لولا صدور بعض القرارات التي حجمت هذه المؤسسات الاقتصاص من أي مشروع ثقافي أو مدني وعلى سبيل المثال إحالة قضايا النشر إلى وزارة الإعلام «نظام المطبوعات والنشر» الصادر بمرسوم ملكي «رقم (م/32) وتاريخ 3/9/1421هـ».

ولو راجعنا بعض قرارات المؤسسات العدلية لوجدنا أن هناك اتهامات طالت المفهوم بعد تسميمه مثلما حدث في تهمة «اعتناق الليبرالية» كمثال.

الخطر الحقيقي يكمن في الذكاء السام الذي يتم فيه تشويه المجتمع وجر المفهوم والدلالة والمعنى إلى منطقة غير أخلاقية ومن ثم التمهيد لها كاتهامات مقنعة للوسط المحافظ، الذي أصبح الدرع الأكثر وقاية للصحوة من مروجيها ومفكريها.

[email protected]