أهالي مكة ينفرون من جمعية الاتحاد والترقي

الثلاثاء - 23 فبراير 2016

Tue - 23 Feb 2016

نشأت جمعية الاتحاد والترقي في أحضان الفكر الماسوني الصهيوني الذي سهل لها خوض معركة إسقاط الخلافة الإسلامية في إسطنبول، وانضم إليها أعضاء جمعية تركيا الفتاة، التي كانت تطالب بالحكم الدستوري المعروف في التاريخ العثماني بالحكم المشروط أو المشروطية، الهادف إلى الحد من سلطات السلطان وتقييده بشروط القانون أو الدستور ضمن نظام برلماني، وكانت خطواتهم بطيئة وسرية في البداية، ثم أخذت في التسارع والظهور، ضمن مخطط إصلاحي في الظاهر، يتحدث عن الإسلام والأخوة الإسلامية، وحرية الشعوب، إلا أنه يمهد لقيام الثورات، ويؤجج الحروب بين القوميات المختلفة في أرجاء الدولة العثمانية،

وقد تغلغل نفوذ جمعية الاتحاد والترقي في صفوف الضباط والعساكر في الجيش العثماني، وكان للسلطان عبدالحميد معارك سرية وعلنية ضدهم، إلا أن تلقيهم المساعدات من الخارج، وضعف الدولة، جعلاهم يتفوقون عليه حتى حوصر وأسقط ، سنة 1327هـ.

وقبل سقوط السلطان عبدالحميد بأشهر قليلة، وعقب إعلانه الدستور بإصرار من الاتحاديين ومن معهم، بدأت الدعاية لهذه الجمعية بشكل واسع، وظهرت سيطرتهم الكاملة على معظم مرافق الدولة، خصوصا فيما يتعلق بتعيين أصحاب المناصب العالية، وولاة المقاطعات العثمانية، وإنشاء المدارس والصحف فيها بما يخدم مصالحهم ويحقق أهدافهم.

وكانت مكة المكرمة، مثل بقية الولايات العثمانية في ذلك، فقد شهد عام 1326هـ تمرد العساكر بها بدعم من الاتحاديين على الوالي أحمد راتب باشا لتباطئه في إعلانه الدستور الذي سبق خلع السلطان عبدالحميد، خوفا من الفتن التي ستحدث، فما كان من الحامية العثمانية وبعض الموظفين الأتراك، إلا أن أعلنوا الثورة عليه في مكة وأعلنوا الدستور، وسيق مخفورا وسجن في قلعة أجياد.

أما الشريف علي باشا، أمير مكة، فكان وقتها في الطائف، ولم يستطع أن يكبح جماح الثوار فبقي به، إلا أنه عزل وصدر الأمر بتعيين الشريف عبدِالله باشا أميرا لمكة، وقبل أن يغادر إسطنبول توفي بها، فعينت الحكومة العثمانية الشريف حسين بن علي أميرا لمكة.

وكان موقف العلماء والأهالي في مكة مضادا لحزب الاتحاد والترقي والدستور العثماني، حيث يرون فيه نقضا للشريعة المحمدية، لذلك نجد المؤرخ المكي عبدالستار الدهلوي الذي عاصر تلك الأحداث يقول «طلب الشبان الأتراك من السلطان عبدالحميد العمل بالقانون الأساسي، الذي أسسه مدحت باشا، بدلا عن الشريعة، وسموا أنفسهم بحزب الاتحاد، وانضم إليهم أكثر العساكر والضباط، وكثير من الجهلة والأوباش، وحتى أغلب اليهود والنصارى دخلوا في هذا الحزب وهذه الجمعية»، ثم يقول «أسست جمعية الاتحاد والترقي مجلسا مخصوصا مؤلفا من حزبها، لتغيير الألفاظ العربية الموجودة في اللغة التركية بألفاظ إفرنجية، وجعل القرآن الكريم بالتركية، وليقرروا في هذا المجلس أيضا رفع الحجاب، واختلاط النساء بالرجال سافرات، واشتراكهن بالمفاوضات والرأي في المجالس والجمعيات، وسفر المرأة إلى البلاد الأجنبية من بلاد الإفرنج وأوروبا بغير محرم يحميها».

وقد أبان المؤرخ الدهلوي في مخطوطته (نزهة الأنظار والفكر) موقف المجتمع المكي المتدين والمحافظ من حزب الاتحاد والترقي، الذي يريد نشر التحرر باسم الحرية، مما جعل الأهالي ينفرون منه، وكان للعلماء دور بارز في ذلك، ومن أهم ما قاموا به مقاطعة الجمعية والتحذير من أفكارها بهدوء ودون مصادمة، فقاطعوا المدرسة التي أنشأتها الجمعية في مكة سنة 1328هـ في منطقة الصفا، وكان مديرها الخوجة عمر أفندي الأرنؤوطي، فلم ينضم إليها إلا أبناء الأتراك المقيمون في مكة من الموظفين، وفي المقابل تأسس أكثر من مدرسة لنشر الثقافة الإسلامية والعربية، مثل المدرسة الخيرية التي أسسها محمد خياط، ثم الفلاح، كما أشار إلى ذلك الدكتور محمد عبدالرحمن الشامخ في كتابه التعليم في مكة والمدينة آخر العهد العثماني. بل إن كلمة حرية التي هي جزء من شعارهم، وأكثر ما يردد في صحفهم، أصبحت في تلك الفترة بمكة، ترادف معنى الانحلال الأخلاقي، والتمرد على الدين والتقاليد.

[email protected]