الخرِّيجون الثلاثة منذ (٨) قرون!

بعد النسيان
بعد النسيان

الأحد - 21 فبراير 2016

Sun - 21 Feb 2016

وكلامنا على متمِّه أمس؛ حيث نقلنا سلام التاريخ ـ الذي لا يظلم ولا يرحم ـ على من يدافعون بحسن نيةٍ أو بسوئها عن المناهج التعليمية (فيذا)، وسجلنا شهادته بأن النظام التعليمي المتبع في المشرق الإسلامي منذ (8) قرون، لا يخرج إلا ثلاث دفعات: دفعة الحشاشين المتطرفين، وزعيمها الرمز هو (حسن الصباح) الذي اتخذ من جبال (تورا بورا) مقراً لحكومته المكونة من بعض الذين لم يكملوا دراستهم، ولحس الإدمان مخَّهم؛ فلا خلاص لهم إلا بالجهاد تحت راية من يوفر حاجتهم الليلية من الحشيش، ويقدم لهم عيِّنات من الحور العين، من فتيات اختطفن من الثانوي، وأصبحن مجاهدات مخلصات بالنكاح والانشراح والليالي الملاح!

أما الدفعة الثانية فهي دفعة (الدراويش)، الذين قرروا ترك الدنيا لأهلها من الدفعة الثالثة وهم رجال الدولة في كل مكان وزمان! وزعيمها الرمز هو الوزير (نظام الملك) نفسه، مؤسس المدارس نفسها! حيث ظل يمسك العصا من منتصفها، بين صديقه ورفيق عمره (حسن الصباح) زعيم الحشاشين، وبين أستاذه كبير المعلمين في المدارس وهو ـ يا للهول ـ الإمام (أبوحامد الغزالي) المعروف بحجة الإسلام! وقد بدأ معلماً فذَّاً للرياضيات، وتعمق في المنطق وعلم الكلام ليرد على أهل العقل من الفلاسفة والمفكرين، وخرج بنظريات خطيرة في الشك المنهجي، يزعم بعض الباحثين أن الزميل الفغنسي (غينيه ديكاغت) لطشها منه! لكن أبا حامد قرر أن (العلم ما قال الله ما قال رسوله) في النهاية، وصار يحرِّم الرياضيات وعلوم الدنيا الأخرى! ولكنه لم يجد تفسيراً لكون الحشاشين تخرجوا من المدرسة (النظامية) ذاتها، ويحملون الشعارات ذاتها، ويذَبِّحون الناس ويهلكون الحرث والنسل اعتماداً على بعض فتاواه هو ما غيره! لم يجد لذلك مخرجاً سوى أنهم قلةٌ قليلة، لم تكمل دراستها؛ وتصدق عليهم العبارة المنسوبة إليه، وهي للإنجليزي المادي (فرانسيس بيكون): «بعض الفلسفة إلحاد، وكل الفلسفة إيمان»!

أما المفارقة التاريخية فهي أن ازدهار المدارس (النظامية) الشرقية جاء على حساب مدرسة الأندلسي العظيم (ابن رشد)! ولم ينقذ كتبه من إحراق المسلمين لها إلا العدو الأوروبي؛ حيث استفادوا منها في صناعة نهضتهم الباقية وتتمدد! ونحن ما زلنا ننافح عن مدارس تخلفنا، ومناهج تحشيشنا أو تدريشنا أو ترجيلنا!!

[email protected]