بعد أن استقر الأمر لمحمد علي باشا في الحجاز إبان حملته على الجزيرة العربية، ابتداء من1228هـ وحتى توقيعه لمعاهدة «كوتاهية» في1248هـ، التي انفرد بموجبها بحكم الحجاز بمعزل عن تبعية السلطان العثماني، وإلى جلائه منها بعد نحو سبعة أعوام سنة 1256هـ لتتواضع طموحاته التوسعية وإبقاؤه حكم مصر له ولأولاده، عقد العزم على القيام ببعض الإصلاحات العمرانية في مكة المكرمة عله يكسب بها ود الحجازيين ويوطد من خلالها حكمه، وكان من جملتها التكية المصرية، المعروفة بتكية محمد علي، وقصر الحكم في الغزة، وقصر آخر مخصص لابن أخته، محافظ الحجاز أحمد باشا يَكَن.
غادر إبراهيم باشا الكبير الحجاز إثر إتمامه مهمته في الجزيرة العربية، فتسنم أحمد باشا يكن محافظة الحجاز بقرار من خاله محمد علي باشا برتبة «سر عسكر»، ليكون واحدا من أطول ولاة الحجاز حكما، إذ بقي في منصبه هذا، وعلى فترات متقطعة، منذ عام 1235 وحتى 1256هـ، بعد جلاء العساكر المصريين من الحجاز، ولطول خدمته في الحجاز كان يعرف اصطلاحا في مصر بأحمد باشا الحجازي.
أما قصر أحمد باشا الكائن بإزاء باب علي شرق المسجد الحرام على مسافة أمتار يسيرة من حائط المسجد، فلا تكاد تخطئه العين في أكثر الصور الفوتوجرافية للمسجد الحرام، وبخاصة التي تظهر الجانب الشرقي جهة مشعر المسعى. بنى محمد علي باشا القصر سنة1228هـ - 1813م على أحسن هيئة وأكمل بناء في موقع تطل واجهته الغربية على البيت العتيق فكان في جمال المنظر والأبهة بمكان كبير. شيد هذا القصر وبجانبه بيت آخر أصغر حجما، ثم كانت بأسفله ثمانية دكاكين وفرن بمقابل بيوت الشريف علي باشا الخمسة، والتي شغلت أحدها مدرسة الفلاح أول تأسيسها في 1330هـ - 1911م وحتى انتقالها إلى الشبيكة سنة1367هـ - 1948م. ومن اللافت أن محمد علي باشا بنى القصر على نمط البناء المكي السائد، فلم تكن هيئته غريبة على النسيج العمراني المحلي.
احتل القصر حيزا ذا شأن ضمن فسيفساء العمران المكي البهي على خط المسعى، وهو أقرب للصفا، ويسبق الميل الأخضر للنازل تجاه المروة، وكان يطل على شارعين، المسعى غربا وشارع القشاشية العام جنوبا للقادم من أسفل مكة والحميدية بمفترق الطرق.
ولعل أهم عناصر القصر المعمارية التي ميزته عن باقي الدور هو الروشان الهائل في أعلاه المصنوع من أجود أنواع الخشب المعشق، يُحمل على حرمدان عريض محلى بزخارف غاية في الدقة والإتقان. وقد جرى ترميمه وأدخلت عليه تغييرات ظهرت في نمط الروشان بشكل واضح على يد عبدالله باناجة بعد أن ابتاعه من ورثة أحمد باشا الحجازي في1301هـ - 1884م، فعرف منذ حينه بدار باناجة. ثم تلك العقود العالية في واجهة القصر والقندليات الجميلة التي تغشى برسوم هندسية، ثم تعلوها عقود مدائنية متوسطة الحجم، وبأعلاه نجد شوابير الآجر الملونة المحلاة بأجمل الأشكال الهندسية التي تميزت بها العمارة المكية، وهي أنماط جمالية تعرف في الشام بالأبلق وفي مصر بالحجر المشهر.
ومن أساطير هذا القصر ما رواه محمد مغربي إذ ينقل عن عبده صالح باناجة قوله «كان في الدور العلوي الكشك الكبير وكان في جانب منه باب مقفول لا يفتح أبدا، كانوا يخوفوننا منه قائلين هذا الباب المهلك.. يفتح ثم يدفع فيه من يراد به الهلاك فيهوي إلى حيث لا يرى بعد ذلك والعياذ بالله».
وممن نزل به، كما ينقل السيد أحمد زيني دحلان في خلاصة الكلام، الشريف محمد بن عون حينما ولي أمر مكة سنة 1243هـ وكان حينها ديوانا للحكومة، ونزل فيه الخديوي عباس أثناء حجته، والسلطان القعيطي، والملك عبدالعزيز أول دخوله مكة. عُرف وتميز هذا القصر في المجتمع المكي بأنه كان المكان الأمثل لعقد الاجتماعات والاحتفالات نظرا لاتساع دائرته وفخامته. ومن تلك الاحتفالات ما بثت أنباءها صحيفة أم القرى عندما أدّب لفيف من مثقفي الحجاز مأدبة للشاعر الأديب خيرالدين الزركلي في إحدى ليالي شتاء 1930م.
على أن لكل أجل كتابا، فقد دعت أسباب انتشار السيارات وضيق الشارع المجاور للدار إلى تقرير مصير القصر وإزالته. وها هو أحمد الكاظمي في «يوميات في مكة المكرمة» يوثق لإزالته واصفا مشاعره تجاه القرار بقوله «ولم يكن أحد يفكر أو يتصور أن هذا القصر قد ضيق على الأهالي والحجاج في مردهم وفي طلوعهم إلى الحج، بل كانوا يرون الطريق على ضيقه واسعا يسع لمرور قطارين من الجمال المحملة ومرور أكبر شيء عندهم وهو المحمل المصري والشامي»، وقد أزيل القصر في ١٤ ربيع الثاني1368، وعلى الرغم من أن دواعي الإزالة كانت توسعة للشارع العام إلا أن صحيفة أم القرى في عددها الصادر الجمعة 23 رجب1368بثت خبرا مفاده أن موقع القصر قد استحال موقفا للسيارات.
غادر إبراهيم باشا الكبير الحجاز إثر إتمامه مهمته في الجزيرة العربية، فتسنم أحمد باشا يكن محافظة الحجاز بقرار من خاله محمد علي باشا برتبة «سر عسكر»، ليكون واحدا من أطول ولاة الحجاز حكما، إذ بقي في منصبه هذا، وعلى فترات متقطعة، منذ عام 1235 وحتى 1256هـ، بعد جلاء العساكر المصريين من الحجاز، ولطول خدمته في الحجاز كان يعرف اصطلاحا في مصر بأحمد باشا الحجازي.
أما قصر أحمد باشا الكائن بإزاء باب علي شرق المسجد الحرام على مسافة أمتار يسيرة من حائط المسجد، فلا تكاد تخطئه العين في أكثر الصور الفوتوجرافية للمسجد الحرام، وبخاصة التي تظهر الجانب الشرقي جهة مشعر المسعى. بنى محمد علي باشا القصر سنة1228هـ - 1813م على أحسن هيئة وأكمل بناء في موقع تطل واجهته الغربية على البيت العتيق فكان في جمال المنظر والأبهة بمكان كبير. شيد هذا القصر وبجانبه بيت آخر أصغر حجما، ثم كانت بأسفله ثمانية دكاكين وفرن بمقابل بيوت الشريف علي باشا الخمسة، والتي شغلت أحدها مدرسة الفلاح أول تأسيسها في 1330هـ - 1911م وحتى انتقالها إلى الشبيكة سنة1367هـ - 1948م. ومن اللافت أن محمد علي باشا بنى القصر على نمط البناء المكي السائد، فلم تكن هيئته غريبة على النسيج العمراني المحلي.
احتل القصر حيزا ذا شأن ضمن فسيفساء العمران المكي البهي على خط المسعى، وهو أقرب للصفا، ويسبق الميل الأخضر للنازل تجاه المروة، وكان يطل على شارعين، المسعى غربا وشارع القشاشية العام جنوبا للقادم من أسفل مكة والحميدية بمفترق الطرق.
ولعل أهم عناصر القصر المعمارية التي ميزته عن باقي الدور هو الروشان الهائل في أعلاه المصنوع من أجود أنواع الخشب المعشق، يُحمل على حرمدان عريض محلى بزخارف غاية في الدقة والإتقان. وقد جرى ترميمه وأدخلت عليه تغييرات ظهرت في نمط الروشان بشكل واضح على يد عبدالله باناجة بعد أن ابتاعه من ورثة أحمد باشا الحجازي في1301هـ - 1884م، فعرف منذ حينه بدار باناجة. ثم تلك العقود العالية في واجهة القصر والقندليات الجميلة التي تغشى برسوم هندسية، ثم تعلوها عقود مدائنية متوسطة الحجم، وبأعلاه نجد شوابير الآجر الملونة المحلاة بأجمل الأشكال الهندسية التي تميزت بها العمارة المكية، وهي أنماط جمالية تعرف في الشام بالأبلق وفي مصر بالحجر المشهر.
ومن أساطير هذا القصر ما رواه محمد مغربي إذ ينقل عن عبده صالح باناجة قوله «كان في الدور العلوي الكشك الكبير وكان في جانب منه باب مقفول لا يفتح أبدا، كانوا يخوفوننا منه قائلين هذا الباب المهلك.. يفتح ثم يدفع فيه من يراد به الهلاك فيهوي إلى حيث لا يرى بعد ذلك والعياذ بالله».
وممن نزل به، كما ينقل السيد أحمد زيني دحلان في خلاصة الكلام، الشريف محمد بن عون حينما ولي أمر مكة سنة 1243هـ وكان حينها ديوانا للحكومة، ونزل فيه الخديوي عباس أثناء حجته، والسلطان القعيطي، والملك عبدالعزيز أول دخوله مكة. عُرف وتميز هذا القصر في المجتمع المكي بأنه كان المكان الأمثل لعقد الاجتماعات والاحتفالات نظرا لاتساع دائرته وفخامته. ومن تلك الاحتفالات ما بثت أنباءها صحيفة أم القرى عندما أدّب لفيف من مثقفي الحجاز مأدبة للشاعر الأديب خيرالدين الزركلي في إحدى ليالي شتاء 1930م.
على أن لكل أجل كتابا، فقد دعت أسباب انتشار السيارات وضيق الشارع المجاور للدار إلى تقرير مصير القصر وإزالته. وها هو أحمد الكاظمي في «يوميات في مكة المكرمة» يوثق لإزالته واصفا مشاعره تجاه القرار بقوله «ولم يكن أحد يفكر أو يتصور أن هذا القصر قد ضيق على الأهالي والحجاج في مردهم وفي طلوعهم إلى الحج، بل كانوا يرون الطريق على ضيقه واسعا يسع لمرور قطارين من الجمال المحملة ومرور أكبر شيء عندهم وهو المحمل المصري والشامي»، وقد أزيل القصر في ١٤ ربيع الثاني1368، وعلى الرغم من أن دواعي الإزالة كانت توسعة للشارع العام إلا أن صحيفة أم القرى في عددها الصادر الجمعة 23 رجب1368بثت خبرا مفاده أن موقع القصر قد استحال موقفا للسيارات.