عبدالغني القش

القضاء يبعد نزاهة.. فهل تكون القاضية!

الثلاثاء - 16 فبراير 2016

Tue - 16 Feb 2016

صعقة جديدة تتلقاها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» لكنها هذه المرة قوية ومدوية، فما كاد الناطق الإعلامي لنزاهة يعلن عن تحرك الهيئة وأنه استند على ما تناقلته الصحف عن بيع مخططات عشوائية في المحافظة، مؤكدا أن قرارا صدر بإيقاف جميع الصكوك الصادرة من كتابة عدل المزاحمية أو القويعية، بعد ضبط 800 صك من داخل منزل كاتب عدل في يوم واحد وإحالتها لمحكمة الاستئناف للتأكد من نظاميتها، وأن الإجراء جاء استنادا إلى تنظيم الهيئة الذي يقضي بإحالة المخالفات والتجاوزات المتعلقة بالفساد إلى الجهات الرقابية أو جهات التحقيق، وللهيئة الاطلاع على مجريات التحقيق ومتابعة سير الإجراءات، حتى ثارت ثائرة وزارة العدل فجاء في تصريح المتحدث الرسمي لها أن ما أثارته نزاهة بشأن فساد إداري في كتابة عدل المزاحمية يعد تشهيرا بمنسوبي الكتابة.

وليأتي الدور على وكيل الوزارة لشؤون التوثيق ليدلي بدلوه ويقول إن نزاهة وجميع أجهزة الدولة تكافح الفساد والمفسدين، وليس من النزاهة أن يتم توجيه التهم بهذا العموم الذي يطال الأبرياء.

وليردف قائلا إن التعميم يسيء لإدارة حكومية بكافة العاملين فيها بمثل هذا الاتهام المرسل الذي يفتقر إلى الدقة والتحديد، وقد وردت للوزارة شكوى جماعية من منسوبي كتابة عدل المزاحمية يشتكون فيها بأنهم تعرّضوا لتشويه السمعة والطعن في ذممهم، وهم من ذوي النزاهة والأمانة، ولا يمكن قبول الطعن والتشكيك فيهم!

وبهذا ترفض وزارة العدل تصريحات المتحدث الرسمي في نزاهة حول إيقاف صكوك في المزاحمية والتحقيق مع موظفين في كتابة العدل.

ولم يتوقف المشهد عند هذا الحد بل بلغ مبلغا عجيبا حيث أكدت وزارة العدل أن الاتهامات حوت مخالفة واضحة للأنظمة وافتقرت للدقة وأساءت إلى أبرياء. لتتصاعد وتيرة الجدل الإعلامي بين القطاعات الحكومية الثلاث: العدل ونزاهة ومجلس القضاء وتصدّر كل قطاع للمشهد بقوة واعتباره المعني بهذا الشأن. حيث أكد المجلس الأعلى للقضاء أنه المعني بدور الرقابة والمتابعة والتفتيش على القضاة، تماشيا مع مبدأ استقلال القضاء، مفندا اتهامات نزاهة وأنه لا صحة لما قيل حول رفض تزويد هيئة مكافحة الفساد بما طلبت للقيام بمهامها، وأنه لا يجوز نظاما تزويد الهيئة بما تطلب لعدم اختصاصها بالرقابة على القضاة.

هذا المشهد يثبت ويؤكد بما لا يدع مجالا للشك الضعف الشديد الذي تعانيه هذه الهيئة، وعدم وضوح الأنظمة إما لديها أو عند الجهات الإدارية الأخرى؛ فما أشبه الليلة بالبارحة، عندما نشرت الصحف المحلية قبل ذلك خبرا أدهش الجميع، فنزاهة كشفت في تقريرها أسماء 14 وزارة ترفض التعاون معها، وزاد العدد ليصبح 16 جهة!

وقفت أمام ضخامة العدد، وقدرت كثيرا الشجاعة الأدبية في إعلان مثل هذا الأمر وبشكل سافر للملأ! ويبدو جليا التنامي في العدد، والذي يبدو أنه سيستمر في الازدياد إذا ما استمر الحال! فقد ورد أن تلك الجهات لم تتعاون مع الهيئة، ومنعت منسوبيها من تأدية مهامهم الرقابية، ورفضت تزويد الهيئة بما تطلبه من وثائق ومستندات، إضافة إلى عدم كشف المعلومات!!

أرأيتم وجود هيئة يتم التعامل معها بهذا الأسلوب، هل تقضي على الفساد، وهل هناك جدوى من وجودها؟!

ومن أهم الأسباب في تصوري أن إدارات المتابعة في فروع الوزارات والمديريات العامة غير مؤهلة، والعاملون فيها يتم تعيينهم للخبرة دون تأهيل، ولقد عاينت ذلك وعانيت منه شخصيا.

إن المتأمل يجد أن الهيئة تبذل جهودا لا تحقق التطلعات ولا ترقى لمستوى الطموحات، وبخاصة أنه مضى على إنشائها أكثر من خمس سنوات، والآمال المعقودة على الهيئة ليس لها حدود، والمرجو منها يفوق ما هو قائم بمراحل، فما زالت النواحي الإعلامية في الهيئة بحاجة لعمل احترافي متقن، يوكل لشركات متخصصة تنفذه بمهنية عالية لبث مفهوم النزاهة وغرس هذه القيمة بشكل فاعل؛ ليترسخ في النفوس ويصبح طبيعة لها؛ فمحاربة الفساد بشتى صوره ومختلف أشكاله واجب ديني ومطلب وطني، يجعل النفوس تتلهف لكشف كل من يحاول سلب مقدرات الوطن والإضرار بالمواطن من ضعاف النفوس وأصحاب المصالح الشخصية، مهما كانت مناصبهم وعلت مراتبهم.

والأمل يحدو الجميع أن تكون النزاهة واقعا يفرض بأنظمة صارمة وآلية دقيقة ووسائل معلنة يتم تطبيقها على الجميع، فهل يتحقق الأمل؟ أم نترقب صدور قرار يقضي على الهيئة، فيلغيها، ويوكل مهامها لجهات رقابية أخرى؟

[email protected]