وحدة الوطن وتعدد الثنائيات
الثلاثاء - 16 فبراير 2016
Tue - 16 Feb 2016
في مساء يوم الاثنين من الأسبوع الماضي كان موضوع الندوة الرئيسة ضمن نشاط الجنادرية المعتاد (الدولة الوطنية/ تنازع الهويات وتعدد الانتماءات)، هذا الموضوع بعنوانه الحالي، أو بمضمونه العام، هو ما تكرر النظر به والبحث فيه عندنا منذ أكثر من عشرين عاما في كل المؤتمرات والندوات، وفي كل اللقاءات الرسمية والأهلية يثار الحديث عما بدأ يبرز من انقسام وتعدد في المجتمعات العربية، واختلاف في توجهاتها وتعدد في ميولها، وقد استدعى الأمر تأسيس مركز ضخم الإمكانيات لمعالجة هذه الظاهرة، التي بدأت تأخذ حيزا كبيرا من الاهتمام العام والخاص، هو مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، الذي عهد إليه البحث عن حل مشكلة تعدد الهويات والثنائيات في الداخل الوطني، وفي الخارج العربي، وعن أسباب وجودها وانتشارها في المحيط الاجتماعي، وأثر ذلك على بنيته ووحدته ومستقبله.
وقد ناقش الذين يدعون للمشاركة في حوارات المركز في كل مرة، وفي كل ندوة تقام أمر الثنائيات والهويات والانتماءات، وما قد يترتب عليها من نتائج، قد لا تكون في صالح الدولة والمجتمع، ومع مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في الداخل أقيم مركز الملك عبدالله للغرض نفسه، موجها إلى الخارج لحوار الأديان في العالم كله.
كان تنازع الهويات وتعدد الانتماءات هما الظاهرة البارزة في المحيط العربي حيث التمزق والاختلاف والتشظي في بنية المجتمعات العربية، وفي علاقاتها ومكوناتها، وكانت هي المشكلة البارزة في العقدين الأخيرين، وأحدثت القلق الذي لم يعد من المناسب تركه بلا علاج، حيث وجب على كل المهتمين في أمر السياسة والمجتمع والدين والقيم الأخلاقية تناول الظاهرة من كل جوانبها، محاولين البحث عن أسباب انتشارها واتساع مداها وخطورة ما يترتب عليها.
وقد تحدث المنظرون والمثقفون والمعتدلون من رجال الدين وغيرهم، وقالوا وأكثروا الحديث في كل مناسبة، لكن لم يتفق هؤلاء المجتمعون والمتحدثون والمؤتمرون على سبب معقول لهذا التشظي، رغم ما أفاضوا به من الوصف والتحليل والتعليل، ولا على حل ممكن لمشكلات الثنائيات والانتماءات والهويات، وكان الإقرار بوجودها والحديث عن وصفها وما يترتب عليها هو كل ما استطاعوا فعله.
وسبب عجزهم أنهم لم يدققوا النظر في بنية المجتمعات وتركيبها الطبيعي، ولو نظروا بعين الواقع لوجدوا أن أكثر المجتمعات استقرارا ورخاء وأمنا في العالم، هي تلك المجتمعات التي يعيش فيها الخليط الكبير من الناس من كل الجنسيات والثقافات واللغات والأديان، ولو ضربنا مثلا للتنوع الكبير في الأعراق والأجناس والثقافات لوجدنا أمريكا بولاياتها الخمسين وثنائياتها وأعراقها مثالا لا مزيد عليه للتنوع.
ولو نظرنا إلى تعدد اللغات والأديان والأجناس والعرقيات لكانت الهند وحدها مثالا آخر لتعدد الثنائيات والهويات والثقافات، وإذا نظرنا إلى هاتين الدولتين وجدناهما أكثر الدول استقرارا، وأكثرها ازدهارا، وأقوى الدول في الصناعة والإنتاج، ولم يضعف تعددها وتنوعها واختلاف أجناسها من قوتها، ولم يزعزع أمنها واستقرارها ولم يشق به المسؤولون فيها، بل كان التعدد هو الميزة التي حاولت هاتان الدولتان المحافظة عليه والاستفادة منه، إذن تعدد الثنائيات واختلافها ليس هو السبب في التنازع والقتال والاضطراب.
والسؤال البريء - أو أرجو أن يكون كذلك - لماذا كان التنوع والتعدد في المجتمعات في الشرق والغرب أمرا طبيعيا، ويكون إثراء واستقرارا لتلك الأمم التي ذكرت نماذج منها، وغيرها التي لم أذكرها، ويكون عندنا ضربا من الفتن والحروب والقتال في اللسان والسنان والتشرذم والاختلاف، فالحالة عندنا وعند الآخرين واحدة ونتائجها مختلفة بيننا وبينهم.
السبب أن التعايش في المجتمع الواحد يحتاج إلى قيم مشتركة وثوابت يعترف بها الجميع ويرجعون إليها، أولها حرية منضبطة تترك مساحة معقولة للتسامح والاعتراف بالآخرين وبآرائهم واحترام وجودهم وثقافتهم مهما اختلفت معها الثنائيات الأخرى، وإدارة رشيدة ترسخ أسس العدالة بين كل الناس، ونظام سياسي عادل لا ينحاز لطائفة ولا فئة مهما كان شأنها، وقضاء مستقل عادل يحمي الحقوق العامة، وانتماء للوطن الذي يعيشون فيه، لا تشوب الانتماء إليه شائبة الانتماء الثنائي.
العالم الذي ضربناه مثلا حقق هذه الشروط، فتعايش أهله واستقرت أمورهم فكان التنوع والاختلاف بينهم رحمة، وكان التنوع والاختلاف عندنا حربا وقتالا وعذابا؛ لأن ما وفرته الأنظمة والحكومات في العالم لمجتمعاتها لم تستطع الأنظمة العربية والحكومات توفيره، وهذا هو سبب الاختلاف بيننا وبين العالم.
[email protected]
وقد ناقش الذين يدعون للمشاركة في حوارات المركز في كل مرة، وفي كل ندوة تقام أمر الثنائيات والهويات والانتماءات، وما قد يترتب عليها من نتائج، قد لا تكون في صالح الدولة والمجتمع، ومع مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في الداخل أقيم مركز الملك عبدالله للغرض نفسه، موجها إلى الخارج لحوار الأديان في العالم كله.
كان تنازع الهويات وتعدد الانتماءات هما الظاهرة البارزة في المحيط العربي حيث التمزق والاختلاف والتشظي في بنية المجتمعات العربية، وفي علاقاتها ومكوناتها، وكانت هي المشكلة البارزة في العقدين الأخيرين، وأحدثت القلق الذي لم يعد من المناسب تركه بلا علاج، حيث وجب على كل المهتمين في أمر السياسة والمجتمع والدين والقيم الأخلاقية تناول الظاهرة من كل جوانبها، محاولين البحث عن أسباب انتشارها واتساع مداها وخطورة ما يترتب عليها.
وقد تحدث المنظرون والمثقفون والمعتدلون من رجال الدين وغيرهم، وقالوا وأكثروا الحديث في كل مناسبة، لكن لم يتفق هؤلاء المجتمعون والمتحدثون والمؤتمرون على سبب معقول لهذا التشظي، رغم ما أفاضوا به من الوصف والتحليل والتعليل، ولا على حل ممكن لمشكلات الثنائيات والانتماءات والهويات، وكان الإقرار بوجودها والحديث عن وصفها وما يترتب عليها هو كل ما استطاعوا فعله.
وسبب عجزهم أنهم لم يدققوا النظر في بنية المجتمعات وتركيبها الطبيعي، ولو نظروا بعين الواقع لوجدوا أن أكثر المجتمعات استقرارا ورخاء وأمنا في العالم، هي تلك المجتمعات التي يعيش فيها الخليط الكبير من الناس من كل الجنسيات والثقافات واللغات والأديان، ولو ضربنا مثلا للتنوع الكبير في الأعراق والأجناس والثقافات لوجدنا أمريكا بولاياتها الخمسين وثنائياتها وأعراقها مثالا لا مزيد عليه للتنوع.
ولو نظرنا إلى تعدد اللغات والأديان والأجناس والعرقيات لكانت الهند وحدها مثالا آخر لتعدد الثنائيات والهويات والثقافات، وإذا نظرنا إلى هاتين الدولتين وجدناهما أكثر الدول استقرارا، وأكثرها ازدهارا، وأقوى الدول في الصناعة والإنتاج، ولم يضعف تعددها وتنوعها واختلاف أجناسها من قوتها، ولم يزعزع أمنها واستقرارها ولم يشق به المسؤولون فيها، بل كان التعدد هو الميزة التي حاولت هاتان الدولتان المحافظة عليه والاستفادة منه، إذن تعدد الثنائيات واختلافها ليس هو السبب في التنازع والقتال والاضطراب.
والسؤال البريء - أو أرجو أن يكون كذلك - لماذا كان التنوع والتعدد في المجتمعات في الشرق والغرب أمرا طبيعيا، ويكون إثراء واستقرارا لتلك الأمم التي ذكرت نماذج منها، وغيرها التي لم أذكرها، ويكون عندنا ضربا من الفتن والحروب والقتال في اللسان والسنان والتشرذم والاختلاف، فالحالة عندنا وعند الآخرين واحدة ونتائجها مختلفة بيننا وبينهم.
السبب أن التعايش في المجتمع الواحد يحتاج إلى قيم مشتركة وثوابت يعترف بها الجميع ويرجعون إليها، أولها حرية منضبطة تترك مساحة معقولة للتسامح والاعتراف بالآخرين وبآرائهم واحترام وجودهم وثقافتهم مهما اختلفت معها الثنائيات الأخرى، وإدارة رشيدة ترسخ أسس العدالة بين كل الناس، ونظام سياسي عادل لا ينحاز لطائفة ولا فئة مهما كان شأنها، وقضاء مستقل عادل يحمي الحقوق العامة، وانتماء للوطن الذي يعيشون فيه، لا تشوب الانتماء إليه شائبة الانتماء الثنائي.
العالم الذي ضربناه مثلا حقق هذه الشروط، فتعايش أهله واستقرت أمورهم فكان التنوع والاختلاف بينهم رحمة، وكان التنوع والاختلاف عندنا حربا وقتالا وعذابا؛ لأن ما وفرته الأنظمة والحكومات في العالم لمجتمعاتها لم تستطع الأنظمة العربية والحكومات توفيره، وهذا هو سبب الاختلاف بيننا وبين العالم.
[email protected]