الرحالة نيبور لم يسمح له بالاقتراب من باب مكة

الاثنين - 15 فبراير 2016

Mon - 15 Feb 2016

خرج الرحالة عالم الرياضيات والفلك والخرائط نيبور من الدنمارك سنة 1761م، متجها إلى المشرق العربي ضمن بعثة علمية مكونة من خمسة أفراد، لتحقيق هدفه في الوصول إلى الجزيرة العربية، بطلب وتمويل من ملك الدنمارك فريدريك الخامس، على متن أسطول حربي يعود للبحرية الدنماركية.

ووصل من الدنمارك إلى إسطنبول، ليغادرها إلى الإسكندرية، ومنها إلى القاهرة، والتي أقام فيها فترة من الوقت منتظرا توجه قافلة الحج البحرية إلى السويس، في طريقها إلى مدينة جدة في الحجاز.

أبحرت الباخرة بهم حتى وصلت إلى مدينة ينبع، التي يصفها نيبور بقوله «تحيط بها الأسوار، ويبدو منظرها العام جيدا من جهة البحر»، وتوقفت الباخرة التي تقلهم في ينبع، حيث نزل منها الراغبون في التوجه إلى المدينة المنورة، ثم توقفت السفينة مرة أخرى في رابغ للتزود بالماء والزاد الذي يحمله البدو للمسافرين عبر البحر.

ولا يفوتنا قبل الحديث عن وصول نيبور إلى جدة الإشارة إلى أنه، وكحال معظم الرحالة والمستشرقين الذين يصدرون أحكاما غير صحيحة عن بعض تعاليم الإسلام، تدل على عدم فهمهم العميق لهذه التعليمات، فهو يقول عند رؤيته الحجاج في الميقات خلعوا ثيابهم، وتجردوا من ملابسهم «يناسب لباس الإحرام عربيا أحرقته الشمس، لكنه لا يناسب تركيا حاسر الرأس، وملتحيا ذا بشرة بيضاء كليا». وهو بذلك يقلص الدعوة المحمدية من كونها عالمية إلى محلية، لا يستطيع القيام بتعاليمها إلا أهل الجزيرة العربية، ولا يخفى ما في ذلك من تجاوز وتنفير.

ووصل نيبور إلى جدة سنة 1762م/1176هـ، ولا يخفي شعوره ومن معه من أعضاء البعثة بالخوف من اقترابهم من الأماكن المقدسة التي لا يسمح لغير المسلمين بدخولها، حيث يقول «لم يساورنا الشعور بالخوف قط من سكان مدينة بقدر ما خفنا من سكان جدة قبل أن ندخلها»، إلا أنه وبعد أن نزل بها، لم يجد ما يثير خوفه، فزار المقاهي والأسواق، إلا أن الأمر الوحيد الذي لم يسمح له به هو الاقتراب من الباب الواقع جهة مكة، والتزم بذلك. وما ذكره هنا ينفي بعض ما ذكره من كتبَ عن رحلته من أنه وصل إلى مكة، فهو لم يقترب من الباب المفضي إليها، فضلا عن أن يصلها.

ولأن نيبور ومن معه من أعضاء البعثة العلمية حملوا معهم عددا من التوصيات، التي قدموها لذوي النفوذ في جدة من الحاكم التركي وبعض التجار ونائب المدينة، لم يجدوا صعوبة في الحصول على مسكن كبير في جدة، حيث استأجروا بيتا كبيرا مطلا على البحر، بعد أن استضافهم أحد تجار الذهب في مدينة جدة في الليلة الأولى.

ولأن رحلته لم تكن سرية انتشر خبر وصول بعض الأوروبيين إلى جدة، حتى وصل إلى الشريف في مكة، والذي يشير نيبور ضمن سياق رحلته إلى خلافه مع أخيه، وخروج الأخير عليه، إلا أنه لم يذكر من هو، لكن بالرجوع إلى المصادر المكية نجد أنه يقصد الخلاف الواقع بين الشريف مساعد بن سعيد، وأخيه السيد أحمد.

ليبدأ بعد ذلك في التجول في المدينة والتي يصفها بأنها تضم العديد من المنازل الجميلة والفنادق الكبيرة المطلة على البحر وهي مبنية بالحجر التي سماها حجار المرجان، وأن السكان بها لا يشربون إلا من المياه التي تجتمع في خزانات كبيرة بين الجبال، وينقلونها إلى داخل المدينة على ظهور الجمال.

كما أشار إلى ازدهار التجارة في جدة، وتنوع البضائع بها، وكثرة الحبوب المستوردة من مصر لتباع بها، ومنها تنقل إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة. إضافة إلى خيوط الذهب والفضة، والتبغ المستورد من سوريا، كما تكثر بها البضائع الأوروبية كالجوخ الفرنسي والورق والقصدير والرصاص والحديد وصفائح الفولاذ وغيرها، كما تمدها الهند بالأقمشة الثمينة، والأحجار الكريمة والعطور والبهارات المختلفة. وتصدر من خلالها المنتجات الواصلة من الحبشة واليمن، كالبن والحناء والمسك وغير ذلك، إضافة إلى بعض المنتجات المحلية كاللوز والبلسم.

وذكر أن النقود المستخدمة في التجارة بها هي نقود البندقية، والتي تعرف محليا بالفندقلي، كما تستخدم فيها القروش والعملة المعروفة بالديواني، والعملات العثمانية.

[email protected]