تحولات الشهرة وقوانينها الجديدة

الأحد - 14 فبراير 2016

Sun - 14 Feb 2016

تحت تأثير وهج أنواع الشهرة الرقمية الطارئة، تأثرت بذلك حتى جهات رسمية في التعامل مع هذا التحول، وأصبحت تدعو نوعية من المشاهير، تحت إغراء شهرتهم فقط، دون التنبه لنوعية الشهرة فبعضها من النوع الذي يضر بسمعة اللقاء والمناسبة والحدث نفسه، ويعبر عن فشل الجهة في الوصول إلى الجمهور بالمنجز نفسه، وإنما عبر مشاهير فاقدي بعض الاحترام عند فئات أخرى من المجتمع، خاصة إذا كانت الجهة تربوية وتعليمية للناشئة.

عند التفكير بجاذبية رقم المتابعين مهما كان كبيرا فإنه يجب استحضار الرقم الشعبي الآخر المختلف مع هذا النوع من الشهرة. ما زال مفهوم الشهرة وجاذبيته الحالية مربكا للكثيرين مع وجود حالات الشهرة من العدم، نتيجة ضعف التحليلات والقراءات الدقيقة للظواهر المتحولة. من المهم تجاوز التعامل التقليدي مع هذه التحولات طالما يمكن فهمها، فالحديث عنها بتعال نخبوي، بمجرد اتهام المجتمع بتخلفه لا يساعد على فهم المؤثرات التي تصنع هذه الظاهرة أو تلك.

كانت تتحكم في الشهرة عوامل كثيرة، جهات حكومية ومؤسسات صحفية وإعلامية، وقنوات تلفزيونية، ومناصب معينة، وأعمال تجارية، ومن النادر في الماضي تجاوز هذا الحصار لتحقيق شهرة فردية ما حتى في المجتمعات الغربية. فالنجاح حتى في المجال الفني مثلا وتحقيق الشهرة فيه يحتاج أيضا المرور بتعقيدات عملية كثيرة وعلاقات شخصية، لتحقيق النجاح والشهرة والوصول إلى الجمهور. لقد ظلت هذه العوامل تسيطر على مسارات الشهرة وتحقيق الجماهيرية عقودا طويلة، وكانت أشبه بالقوانين التي يمكن تحديدها وفهم طرقها، للرضوخ لشروطها. وعندما تتحقق هذه الشهرة فهي عادة تكون مرت بمراحل غربلة كثيرة، ويطول نجاحها لأن طبقة المشاهير في كل مجال محدودة، فتسيطر على المشهد زمنا طويلا.

تأتي أحيانا اختراقات معينة تكسر هذا التحكم بصدفة تاريخية، يمكن اعتبار مرحلة الكاسيت الذهبية خلال مد الصحوة ما بين 1985 إلى 1995م حالة استثنائية، ورافعة شهرة لعدد كبير من الأسماء بصورة لم يتخيل سيناريوهاتها أي أحد قبل تمددها ثم تفككها مع ظهور عوامل جديدة، كانت تلك الشهرة السريعة لأسباب تاريخية موقتة، ولا يمكن إعادتها إلا بتكرار تلك الظروف، فقد فاقت في اكتساحها المجال الاجتماعي الفارغ والمفرغ ثقافيا في ذلك الوقت والمعزول عن العالم فوق الحد الذي يتخيله المراقب والسياسي، وتجاوز تأثيرها وتأثير مشاهير الكاسيت تأثير قنوات رسمية.

بدأت نهاية تلك المرحلة مع عدة عوامل كان أبرزها انتشار الفضائيات ثم التفتت التدريجي لجهات التأثير في المجتمع والمرور في حالة فوضى وتطورات متلاحقة ما بين منتصف التسعينات إلى 2005. وحتى مرحلة الانترنت التي كسرت الكثير من قوانين الشهرة القديمة، وأضافت عوامل جديدة وعالما موازيا حطم الشروط التقليدية القديمة، تؤكد تطوراتها أنها ليست مجرد حالة واحدة، وإنما تمر بأطوار كل خمس سنوات، لصالح عامل من العوامل، والنجاح يعتمد على لحظة استغلال المتغير الجديد، وكل تطور يؤثر على عوامل أخرى، فكثرة مواقع التواصل وتغير مزاج الجمهور والتحولات السياسية والاقتصادية تؤثر على تحديد مسارات الشهرة.

جزء من الشهرة الذي تحقق في مواقع التواصل والانترنت في الحالة المحلية كان مرتبطا بامتدادات شهرة سابقة، من دعاة وفنانين ورياضيين، ومذيعين فضائيين، ولهذا جاءت المرحلة الجديدة سهلة عليهم بدون جهد حقيقي أو جاذبية فعلية، خاصة أن أرقام المتابعة تتأثر وتزداد طرديا بصورة غير موضوعية وإنما الكترونية لهذه المواقع، فالمئة ألف متابعة تسهل المئة الثانية والمليون يسهل المليون الثاني، والمليار مشاهدة كما حصل للفنان الكوري سهل المليار الثاني له.

لقد أكدت التطورات المتلاحقة أن مصاعب تحقيق الشهرة الحالية والمحافظة عليها معقدة، فحتى الذين يشتهرون ويحققون أرقام متابعة عالية في اليوتيوب أو تويتر أو السناب والانستقرام وغيرها مهددون، فسهولة الحصول على الشهرة يواجه صعوبة استمرارها والاحتفاظ بالجاذبية والوهج، وهذا ما يشعر به خاصة من يريد تحويل هذه الشهرة إلى عمل تجاري مربح.

ليس هناك أسرار معقدة لتحقيق شهرة على مواقع التواصل، لكن الإشكالية تكمن في نوعية الأسلوب لتحقيق الشهرة، ونوعية السمعة الناتجة عنها وبأي مجال. وهنا يمكن الإشارة إلى أبرز عوامل تحقيق الانتشار، فهناك مجالات بطبيعتها جماهرية في كل العالم، وليست مؤشرا على أن المجتمع متخلف كما يدعي ويتوهم كثيرون، فالرياضة والفن لهما جماهيرية لأنهما مجالات مفهومة من جميع أفراد المجتمع، وليست بحاجة إلى مستوى تعليمي معين بالإضافة إلى أنهما مجالان ترفيهيان في الأصل. وحتى الوعظ الديني له جماهريته التي تزاحم الفن لأنه لا يحتاج أيضا إلى عمر ومستوى معين من التعليم للتفاعل معه، وأيضا يتضمن حكايات وقصصا وسوالف اجتماعية، فهو ترفيه من نوع آخر!

لكن مجرد دخول هذه المجالات لا يكفي للشهرة، فلا بد أن تصاحبها مشاغبات مثيرة لتحقيق الشهرة السريعة، ففي مجال الدعاة يكفي أن يدخل في مواجهات مستمرة مع آخرين، ويهاجم أشخاصا بأسمائهم أو قنوات معينة، فسيجد من ينشر له، ويزداد عدد متابعيه والمدافعين عنه، وفي الرياضة يمكن أن تستهدف بالنقد أندية رياضية كبيرة أو لاعبين مشاهير ولهم شعبية. وبعض المثقفين يمارسون هذه اللعبة بطريقتهم عبر المشاركة في هذا النوع من المعارك، وهناك درجة أقل لكنها تحقق بعض الانتشار عبر الانخراط في مسارات حركية دينية، أو دوائر شللية ثقافية لتبادل المدح المصلحي ومنافع النشر والتسويق.