أحمد الهلالي

المثقفون في غربال المرحلة!

الجمعة - 12 فبراير 2016

Fri - 12 Feb 2016

أضحى الشاب الذي يرتاد المؤسسات الثقافية موضع تساؤل واستغراب وإعجاب، وكأن المكان يقول «يمنع دخول الأشخاص دون الأربعين»، وقس على ذلك الملتقيات الأدبية والثقافية المزدحمة بكبار السن، فربما يظن الناظر من بعيد أنه في فرع «للمؤسسة العامة للتقاعد»، وحين يجول نظره سيستمع كل الأصوات الموحية بخلو المكان، وإن أقيمت فعالية حضرها ثلاثون على الأكثر، وكانت الأفكار نمطية والوجوه معتادة حتى إنك لتكاد أن تقول مداخلة الشخص قبل أن ينطق بها، فما السبب وراء هجر المؤسسات الثقافية؟

منذ أن انفتحت عيناي على الوسط الثقافي وكبار المثقفين ينادون بالديمقراطية وتكافؤ الفرص، وقدر الله أن استجابت وزارة الثقافة والإعلام إلى مطالباتهم فكانت انتخابات الأندية الأدبية الأولى، وفي غمرة حماس الوزارة، وثقة الكبار بسيطرتهم على الأندية الأدبية إلى درجة الظن أنها شيء يخصهم دون سواهم، جاءت صياغة اللائحة نيئة، ما حطم قلوب الكثيرين والمؤسسات الثقافية تخرج عن عباءاتهم وتحط في أيدي وجوه جديدة، وجل كبار المثقفين يرونها جديدة لأنهم لم يعطوا تلك الوجوه (سم إبرة) في تلك المؤسسات، وعلا الصراخ والتلاوم، وهرول بعض (كبار المثقفين) إلى اتخاذ مواقف ضد الأندية الأدبية، وقاطعوها كأنها (منتجات دنماركية) ونادوا على بعض أصدقائهم الإعلاميين، الذين أشغلوا الصحافة والمواقع بتصيد كل مثلبة في فعاليات الأندية وملتقياتها بوجوهها الجديدة.

تناسى بعض (كبار المثقفين) ومن شايعهم أن وزارة الثقافة والإعلام هي التي وضعت اللائحة، وهي التي وقع وزيرها اعتماد الأسماء (المريخية) الجديدة، فهجروا الأندية هجرا ليس جميلا، لكن بعضهم في الوقت ذاته يهرول إلى لقاء الوزير، ووكيل الوزارة، ومدير إدارة الأندية الأدبية والتقرب إليهم، واللافت الغريب أن بعضهم يستفيد من فعاليات وخدمات بعض الأندية خارج مدينته، لكنه يقاطع النادي في مدينته، ولن تجد تفسيرا غير ضحالة التفكير، وقصر النظر، فلو كان مثقفا حقيقيا لأسعده انتخاب مجالس إدارات الأندية الأدبية، وأنها مكسب وثمرة مناداة طويلة يجب الحفاظ عليه، وحتى لو حفلت التجربة الأولى بأخطاء وأسماء لا علاقة لها بالثقافة فلا تثريب؛ لأن الخطوات الأولى تأسيسية، وستنضج الفكرة وتؤتي أكلها بعد حين.

لعل أكثر ما يؤلمني أن تسمع مثقفين كبارا يتحدثون ببهجة عن فكرة العودة إلى (نظام التعيين) وقد كفروا بالديمقراطية التي نادوا بها كثيرا، ولعل منشأ هذا الكفر يتأتى من حلمهم بالعودة إلى مجالس إدارات الأندية بحكم علاقاتهم المتينة بصاحب القرار، وأصدق دليل على هذا محاولاتهم المستمرة ودأبهم في تشويه المجالس المنتخبة، متناسين دورهم الوطني والثقافي في صيانة فكرة الانتخاب؛ لأن المنطلقات (شخصانية) ضحلة، فلو كانت الثقافة همهم الحقيقي لاستثمروا أسماءهم في توجيه المجالس الجديدة بمحبة وتقدير، ولشجعوهم على أداء رسالة المؤسسة الثقافية، ولاستثمروا أيضا علاقاتهم المتينة بصاحب القرار وطلبوا تفعيل دور الثقافة بشكل أعمق في مثل:

1ـ استراتيجية شاملة وواضحة للعمل الثقافي كاملا، والضغط على الوزارة لتنفيذ هذا.

2ـ مجلس أعلى للثقافة (إن لم تكن وزارة مستقلة) لتنظيم العمل الثقافي بشفافية، ومحاسبة أصحاب التجاوزات والخروقات.

3ـ تحصين المؤسسات الثقافية من تدخلات الأفراد والجهات الأخرى.

4ـ إنشاء جمعيات واتحادات أدبية وثقافية، والانضمام للقائم منها عربيا ودوليا.

5ـ تكامل المؤسسات الثقافية والمؤسسات التعليمية لتجسير الفجوة بين الثقافة والتعليم.

وغيرها من القضايا التي يجب أن يعمل عليها المثقفون دون استثناء، فمن المعوقات الحقيقية للعمل الثقافي تبديد الأوقات والجهود في صراعات تتمحور حول (الشخصانية)، فهذه الصراعات (السلبية) لا تنتج عملا ثقافيا، ولا تؤدي رسالة المثقف، بل تشوه الثقافة إجمالا، وتزيد غربة المثقف في مجتمعه، فكلنا يتذكر تفنن المتشددين في اتهام المؤسسات الثقافية، وشيطنتها حتى أحجم الكثيرون عن ارتيادها، وستكون الصراعات الشخصانية رافدا قويا في تعزيز هذا التوجه الجاهل المرتاب.

من واقع عملي في مؤسسة ثقافية، وإنجازي دراسة شاملة حول الأندية، وبحثا في ملتقى رؤساء الأندية الأخير بحائل، ومشاركاتي ومشاهداتي وقراءاتي، وجدت أن مجالس الأندية المنتخبة قدمت الكثير، وربما أكثر مما قدمته المجالس السابقة مجتمعة، وحراكها يثري المشهد داخليا وعربيا، ولا ينقصنا حاليا إلا تبني مشاريع حقيقية، وتجاوز الخلافات الشخصانية على توافه يفترض ألا يلتفت إليها (الكبار)، (كأمسية/ وحضور ملتقى/ وابتعاث لمعرض الكتاب/ وطباعة كتاب... وغيرها)؛ لأن المرحلة تستحق أن يتنازل الكثيرون عن مواقف لن تجدي، وأن يضعوا أيديهم بأيدي المؤسسات لصناعة مستقبل ثقافي يوازي جلالة اسم (المملكة العربية السعودية) يسهم في نشر الوعي داخليا، ويجلو العتمة عن صورتنا وثقافتنا عالميا، وأخيرا نحمد للوزارة مشكورة محافظتها على مكتسب الانتخابات، حين أقرت اللائحة بتغييرات طفيفة، والمستقبل أرحب بإذن الله، فيا كبار المثقفين ماذا أنتم فاعلون؟!