انحباس الزمن وتوليد الدلالة في سدرة المنتهى

الزمن في صبغته المعهودة مطلب مهم للعمل السردي، للقيام بتأطير الحدث وبناء الواقع في ظروفه الطبيعية التي اعتادها المتلقي في حياته اليومية

الزمن في صبغته المعهودة مطلب مهم للعمل السردي، للقيام بتأطير الحدث وبناء الواقع في ظروفه الطبيعية التي اعتادها المتلقي في حياته اليومية

الاحد - 21 ديسمبر 2014

Sun - 21 Dec 2014



الزمن في صبغته المعهودة مطلب مهم للعمل السردي، للقيام بتأطير الحدث وبناء الواقع في ظروفه الطبيعية التي اعتادها المتلقي في حياته اليومية.

يشتد الأمر صعوبة على الكاتب عندما يطلب نواحي الإبداع في ركيزة أساس أصابها الجمود بفعل الحتمية، فلا يمكن أن يأتي الزمن الملفوف بالأحداث، أو تشييخ الشخصيات بما يدهش ما لم يحدث مفارقة حادة المزاج تكسر أفق التوقع.

إن ما يميز الزمن في رواية أحمد الهلالي «سدرة المنتهى» هو الجانب النفسي، فالزمن النفسي ينعقد بحيثيات القارئ للرواية ومرجعياته الثقافية، ومدى جودة الحبكة القصصية في بناء الخطاب.

خلق التأزمات النفسية للقارئ بإيقاف الزمن متنقلا بين فصول الرواية يعد مهارة تستحق الوقوف عليها، فخطورة الإيقاف للانتقال لأحداث أخرى تتمركز حول مدى شدة إحكام الوظيفة الانتباهية التي عمل عليها الكاتب بين لوحاته، فعليه أن يجعل القارئ يلهث بالقراءة منتهيا من هذه الوقفة لمعرفة الحدث التالي لتلك الوقفة.

تمثلت عقدة التشويق في واقعية الرواية، فأحداثها من البيئة المحلية، إلا أنها اكتست بالسحرية التي خلقت توترا في التلقي.

هل هذه الأحداث حقيقية أم إنها ضرب من التخيلات الخارجة عن مشابهة واقع الحياة؟ سؤال يبحث القارئ عن إجابته إلى الورقات الأخيرة.

تأخر الإجابة والواقعية السحرية التي جنحت في كثير من فصول الرواية إلى السخرية المعاتبة، عملا على إيقاد الوظيفة التنبيهية، وخنقا المتلقي في الزمن النفسي من خلال شخصية «الجمل» في الرواية الذي كان المنفّس الرئيس عن هذا الاختناق بإجابة شخصية بطل الرواية، هذا التنفيس تبعه أيضا تنفيس زفرات القارئ الذي لو حاول أن يقلب صفحة واحدة فقط للبحث عن انفراج أرحب، فاته حدث مهم حرمه متعة الانفراج.



مقطع من الرواية:



«أصحو صباحا على جلبة في الممر الذي فيه حجرتي، أتسلل لاستكشاف الأمر، فأجد الخدم يجرّون منضدة كبيرة، فأعود إلى الحجرة، أتناول إفطاري، وذهني لا ينفك يلاحق أيمن المختفي، حتى في مجلس الجمل أجد أيمن لا يفارق تفكيري، وهاجس الخوف يعتصر فؤادي، هل أسأل الجمل عنه، أم أتريث قليلا؟!» [ص:152]حبس الزمن ثم إطلاقه ضمن إطار الخطاب السردي عند أحمد الهلالي، لم يكن مجرد تقنية أراد منها التشويق، وخلق حقل مغناطيسي يضطرب معه التلقي فحسب، بل ساعد هذا الانحباس في توليد الدلالة التي يسعى إليها.

الحدث هو المعول عليه في بناء القيمة الدلالية، لكنه بالمقابل يقف عاجزا عن جعله فاعلا فيما لو انطلق من أحداث أقرب إلى الواقعية، التي تكمن خطورتها في الرواية باستسلام الكاتب لجمودها ما لم يكن ذا لياقة فنية تخلصه من هذا الفخ.



وللتداولية رأي:



إذا أردنا بحث فكرة «حبس الزمن» لتوليد الدلالة برؤية تداولية فإنني أستدعي تساؤلا مهما أدى دوره ببراعة في العمل، هو: ما علاقة التخييل باللغة؟ باختصار شديد ليست مشكلة التخييل لسانية بقدر ما هي تداولية، فليس هناك لغة خاصة بالتخييل تفترق بها عن لغة الحياة اليومية داخل الرواية، التي هي أصلا مشابهة للحياة اليومية الواقعية، مما يساعد أثناء القراءة على التنبؤ بأن الكاتب بدأ يلاعب القارئ، فظلت اللغة ستارا لأداء هذه المهمة.