أربعة أفكار في خاطرة

أخذت أتأمل الجدل الذي حدث بعد الأمطار الأخيرة وتضارب أقوال الناس بين لوم الأمانة ولوم أرامكو التي أشرفت على المشاريع.

أخذت أتأمل الجدل الذي حدث بعد الأمطار الأخيرة وتضارب أقوال الناس بين لوم الأمانة ولوم أرامكو التي أشرفت على المشاريع.

الاثنين - 14 ديسمبر 2015

Mon - 14 Dec 2015



أخذت أتأمل الجدل الذي حدث بعد الأمطار الأخيرة وتضارب أقوال الناس بين لوم الأمانة ولوم أرامكو التي أشرفت على المشاريع.

إن كارثة سيول جدة عام 2009 كانت صدمة لنا جميعا، ثم لحقتها كارثة مشابهة عام 2011، فأمر خادم الحرمين الشريفين شخصيا ودون المرور على سلسلة الاعتمادات البيروقراطية وخصص خمسة آلاف مليون ريال لمشروع ضخم جدا، وبصرف لا تقيده أنظمة الرقابة وأنظمة المشتريات الحكومية لبناء قنوات تصريف الأمطار من شوارع جدة، ولبناء سدود تحمي المدينة (وأدت السدود دورها بنجاح تام هذا العام ولم تداهم المدينة سيول من شرقها)، وبقي موضوع تصريف مياه الشوارع يتجادل الخلق جراها ويختصم..... هل من المشروع كانت أم لم تكن، أصعبت أم هانت أم لم تهن، فإن لم تهن فمن هان إذن. لكن هذا ليس موضوعنا بل ما أردت أن أنبه عنه هو ما أراه كخلل في مستوى آلية وأولويات اعتماد المشاريع أحيانا.

فكارثة جدة أرى أنها كانت تستدعي منا بحثا للمنظومة كلها، فكان لا بد من سؤال جاد: هل توقعت الأمانة خلال السنوات سيولا منقولة تداهم جدة يلزمها سدود تبنى شرقها أم ذلك كان غائبا عنها؟ وإن توقعته هل خططت لمشروعات سدود سيول وقدمت طلبا لها في مشروع ميزانيتها أم لم تفعل؟ وإن فعلت فهل ألحت في ذلك سنة بعد أخرى أم لم تفعل؟

أنا شخصيا لا أعلم، يقال والله أعلم أنها فعلت وكررت. لذا لا بد أن نبحث، فتلك المعلومة مؤثرة جدا في القرار بعد ذلك، ومؤثرة جدا في إدارة الاعتماد الضخم بعدها. فإن كانت لم تخطط ولم تتقدم بأي طلب فكان معقولا أن نبقيها خارج المنظومة تماما، ولتبقى لتسير أمور البلدية المعتادة، أما إن كان مهندسوها قد احتاطوا وخططوا لسدود شرق جدة فالواجب هنا أمران:

الأول أن يوكل لهم هم لا لأرأمكو تنفيذ ما قد طلبوه سابقا، فالأمانة لا شك أدرى من أرامكو بحال جدة واحتياجاتها. ذلك أفضل من أن تنشئ لهم أرامكو مشاريع لم يقوموا هم بالتخطيط لها، ثم تسلمها لهم ليقوموا بتشغيلها وصيانتها.

والثاني أن ينظر في أمر آلية الاعتماد لدى المالية (والمالية لا شك لها ظروفها وأسبابها).

لكن يا سادة فلنتذكر دوما أن السدود تبنى لدرء الكوارث ولا تبنى السدود نتيجة للكوارث.

الثالث أقول كطالب اقتصاد ومالية عامة وأفكر كمحاسب، إني ضد فكرة الاضطرار للصرف خارج رقابة وقواعد النظام الحكومي للصرف مهما كانت الظروف، فإن كانت تلك الأنظمة معيقة للتنمية فلماذا لا نطورها؟ فذلك أصلح من أن نوكل للأمانة أو لأرامكو أو لكاوست إرساء عقودها لمن تشاء بالمبلغ الذي تشاء كيفما تشاء، فهذا مال عام، والأمر ليس شكا فيها أو في أرامكو -معاذ الله، بل حماية لآلية الاقتصاد الحر الذي المنافسة فيه تحسن الأداء وتخفض تكلفته.

كل ما ذكرت سابقا إنما هو توطئة لموضوع المقال وهو اعتقادي أن إنشاء وزارة للأشغال العامة أمر أساسي لمثل ظروفنا كدولة نامية. فتتولى وزارة الأشغال استلام احتياجات القطاعات والمناطق من المشاريع وتشرف على تصميمها بالتعاون معهم وفق تلك الاحتياجات ثم تسلمها بعد إنشائها جاهزة للقطاعات والمناطق، وذلك لعدة أسباب:-

1 تزداد كفاءة العمل وتقل تكلفة الإنشاءات باقتصاديات الحجم الكبير.

2 تفرغ الوزراء للإدارة وتخطيط وتطوير عمل وزاراتهم - فليس من المنطقي كمثال أن ينشغل وزير الصحة بمشاكل مقاول يبني المستشفى بل يتسلم المستشفى جاهزة كما طلبها ليقوم بتشغيلها لتحقيق أهداف وزارته. ولماذا ينشغل مدير جامعة بسفلتة طرق الجامعة بدلا من تطوير التعليم في تلك الجامعة؟

3 توزيع أفضل للموارد طالما نحن دولة مركزية في الصرف.

4 تكرار التجارب الناجحة في قطاع لتطبق في آخر.

5 خلق جيل من الشباب السعودي قادر على التخطيط والتصميم والإشراف والتنفيذ بفرضها على مقاوليها نسبا معينة.

6 تكون الوزارة بأذرعتها سندا لنا في السلم والحرب والرخاء والشدة فنستفيد بقدرتها بالإمكانات الضخمة على مواجهة الكوارث غير المتوقعة.

هل تعلم أيها القارئ أن لدينا الآن والحمد لله 8 آلاف مشروع تحت التنفيذ، وذلك لوزارة البلديات فقط، فكم مشروع على مستوى المملكة عموما، أليس ذلك مبررا كافيا لوزارة تتولاها من الفكرة للتسليم؟

لكن الأمر الأهم وكتبت عنه كثيرا وهو وجوب ألا تعطى المشاريع الحكومية الكبيرة الأكثر من 50 مليونا إلا لشركات مساهمة لتوزيع خير الوطن على كل أبناء الوطن.

لذا فليسبق إنشاء الوزارة أن تؤسس على الأقل 4 شركات مساهمة تسهم فيها الدولة لتتنافس فيما بينها لتحقيق أفضل إنتاج بأنسب تكلفة. إن المنافسة العادلة هي أساس النمو الاقتصادي وأساس العدالة في المجتمع.

لا خير في نمو ينفع قلة من الأغنياء ويتجاوز ملايين الضعفاء.