هبة قاضي

ألا يجيد أطفالنا إلا الغناء؟

دبس الرمان
دبس الرمان

الأحد - 07 فبراير 2016

Sun - 07 Feb 2016

تحلقت العائلة بجميع أفرادها من كبيرهم إلى صغيرهم في غرفة الجلوس يتفرجون على التلفزيون وهو يعرض برنامج The voice على إحدى القنوات الشهيرة، والذي يقوم باستعراض أصوات الأطفال من خلال أدائهم للأغاني أمام لجنة مكونة من عدد من الفنانين.

حقا بعضهم يتمتع بقدرات صوتيه تتعدى أعمارهم بكثير، وبعضهم الآخر تستطيع أن تستشعر جديته من أدائه ووقفته وردة فعله على القبول أو الرفض كما لو كان شخصا ناضجا يواجه قرارا مصيريا. وبإمكانك سماع أصوات تنهيدات الحزن والعطف حين يتم رفض أحد الأطفال، فتجد دموعه تنسكب بسبب خيبة الأمل وأهله خلف الكواليس ترتسم على وجوههم ملامح الحسرة والألم فابنهم - أو ابنتهم - الموهوب لن ينال مجد أن يصبح صوت العرب الغنائي القادم.

لا مشكلة لدي حقا مع المبدأ ذاته، فليغن من يشاء، وليشجع ابنه وابنته على الغناء من يشاء، ففي النهاية الصوت الجميل والقدرة على صنع اللحن الجميل موهبة كمثل غيرها من المواهب والأدوات الفنية التي قد تكون في قمة النبل حين تعبر عن الجمال والخير، وفي قمة القبح حين تنحدر للابتذال.

إن مشكلتي الحقيقية هي أن قنواتنا وإعلامنا تتجاهل الطفل لأمد طويل، وتهمل صنع محتوى حقيقي وثمين يزرع القيم، وينهض بالفكر والمفاهيم البناءة. ففي حين نشتكي من الهبوط الأخلاقي وإقحام المفاهيم المنحرفة في المحتوى الغربي لبرامج الترفيه للصغار، نجد قنواتنا القليلة المختصة في الأطفال تترجم هذه البرامج وتقدمها لهم على طبق من فضة بدون بذل أي عناء للتنقيح أو التخصيص لما يناسبنا ويناسب قيم مجتمعاتنا العربية.

لذا أيتها القنوات التجارية اشتر من البرامج الأجنبية الجاهزة ما تشائين، واعرضي منها ما تشائين، فنحن وأنت نعلم أنه لا رادع ولا رقيب ولا حسيب. ولكن فقط من باب التنوع والتوازن وإرضاء جميع الأذواق. من باب اكتسابك لشرائح جديدة، واستعادتك لولاء شريحة لا بأس بها من مشاهديك القدامى، نرجو منك التنويع في برامج المواهب، فالقنوات الغربية تغص ببرامج الأطفال التي يتنافسون فيها في العلوم والمعارف، وأخرى في الأنشطة التطوعية والنشاطات الاجتماعية، وغيرها في الأدب والسياسة والحوار والفكر والكثير الكثير من التنوع في المواهب والأفكار التي تحفز من يشاهدهم وتفتح أمامهم الآفاق، وتدفعهم للحلم والتطلع في مجالات الحياة المختلفة.

لذا ارحموا أطفالنا، واجعلوهم يرون من العالم ما هو أبعد من البرامج التجارية، ارحموا مجتمعاتنا، فكم هي أحوج لطاقات طموحة ونماذج مؤثرة تملك من القدرة والثقة ما يؤهلها على الأقل لصنع المحتوى الفكري لإعلامها.